للروائية الإنجليزية المعروفة دوريس ليسنج مسرحية رائعة كرواياتها تماما وجدت طريقها الى الترجمة ضمن سلسلة الجوائز عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت عنوان مثير للانتباه هو ((اللعب مع النمر )) ؛ ؛شدتني حواراتها المطولة التي تجمع بين الحس الثقافي و اخلاق المواطن الإنجليزي العادي جدا الذي ينتمي الى الطبقة المتوسطة والتي بالمناسبة ليست طبقة أصلا ؛ فمع الوقت اما ان يعفس المواطن العادي الى اسفل او ان يرمى بركلة رجل صاعقة الى اعلى ؛ فلايكاد يستقر احد في الوسط بما في ذلك دوريس ليسنغ نفسها ؛ تناقش رواية مسرحية ليسنغ موضوع انصراف أجيال مابعد الحرب عن السياسة بسبب سقوط الحلم الشيوعي في بناء دولة الفقراء التي تختلف كثيرا عن دولة البرجوازية ومع احداث المجر وربيع براغ هجر الشباب السياسة ؛ وهذا ذكرني بهجرة شبابنا في ليبيا اليوم عن السياسة خاصة بعض ناشطات حقوق المرأة ولا ادري كيف سيجلبن الحقوق للمرأة والحقوق تحتاج نضالا سياسيا عبر مختلف الأحزاب والعقائد ؟! ولكن أحدا حتى لو كان حاكما ديكتاتورا لايستطيع ان يحدد مناطق التعلق العاطفي لمواطنيه فمابالك بكاتب مفلس تماما؟!..فالكثير من شبابنا اعلنوا على صفحات الفيس بوك انصرافهم عن الاهتمام بالسياسة نتيجة الإحباط الذي تخلقه ظروف الحرب الاهلية و دوامة العنف الدائرية التي نمر بها منذ سقوط النظام الذي يفضل المعارضون السابقون دعوته باللانظام ...!
من حق هؤلاء جميعا بالتأ كيد ان يختاروا لانفسهم وان يناقشوا خياراتهم العاطفية والذهنية كما يشاؤون وكما يرغبون ليس في ذلك ادنى شك او ريبة ؛فعلى الرغم من كل الكذب الذي سبق وان سوق لايملك الديكتاتور ان يحدد انماط النمو العاطفي للمجتمع ولا للشباب وكل مازداد اندفاع الديكتاتور نحو مسائل محددة وخيارات محددة كلما ارتد ذلك الاندفاع في الاتجاه المعاكس لمواطنيه وخياراتهم ...! تلك حقيقة مؤكدة يعرفها بوضوح الكثيرون ممن عاشوا شبابهم ومراهقتهم في ظل الديكتاتورية وهدوئها العجيب الذي يبدو اليوم كما لوكان حلما يستحيل تحقيقه ؛ كما ان كل الأفلام الكلاسيكية التي صورت مختلف الاتجاهات السياسية والأيديولوجية بما في ذلك رواية العظيم كازنتزاكيس اليوناني رواية زوربا اليوناني لايمكنها ان تمنع ترك السياسة وخيار الحياد ازاءها لكن يظل من واجب أحدا ما وليكن انا مثلا دون أي صفة الا الفضول المطلق ان يقول ان التوقف عن الاهتمام بالسياسة هو توقف نمو سرعان مايستأنف من عند النقطة التي توقف عندها ويغلب عليه آنذاك شيء من الالحاح الوليد والتسرع الاحمق ؛ وبالمناسبة فان الصحافي اللبناني جان عزيز ولقد كان واحدا من مستشاري الرئيس اللبناني الحالي : ميشيل عون قد روى قصة تستحق ان تساق في هذا المجال لتوضيح مدى اتساع الخيارات ؛ فلقد نقل عن غيره ان بيريا رئيس مخابرات ستالين قد كلفه ستالين بحملات تصفية مطلق اليدين دون أي قيد الا ان يراجعه ليلا حاملا اليه أسماء من قام بتصفيتهم من أعداء النظام ؛ ففي احدى هذه المراجعات بهت ستالين وسال مستغربا اقتلت هذا .؟! وأشار الى احد الأسماء فقال بيريا نعم قتلته؛ فسال ستالين مجددا وهل خاننا هذا ؟! فاجابه بيريا لا لم يفعل لكنه كان مواليا لنا لابسبب خوف ولا بسبب الطمع بل لمجرد القناعات فقتلته لأننا بالتأكيد سنغير وهو لن يغير ...قتلته استباقا ..!!.