عندما كتب الرئيس الفرنسي الراحل جيسكار ديستان روايته الاولى" الممر" حققت اعلى المبيعات طوال شهر كامل، ربما بسبب أنها رواية مميزة، لكن المؤكد ان الجميع اقتناها وأقبل عليها باعتبار ان كاتبها هو
الرئيس، وما يمثله ذلك من جاذبية واهتمام، لأن عدسات الكاميرات والاضواء مسلطة عليه كل يوم تتابع أخباره ونشاطاته وتنقل ما يصدر عنه من أقوال. مع هذا لم تقم وسائل الإعلام الرسمية والمؤسسات الثقافية
الفرنسية بالاحتفاء و الدعاية للرواية، وانتهت ولاية رئاسة ديستان وانتهى معه الاهتمام بالرواية.
في مصر،أصدر الزعيم جمال عبد الناصر، ثلاثة كتب، الأول واسمه، «فى سبيل الحرية» رواية كتب ناصر أول ثلاثة من فصولها وتدور حول المعركة الخالدة التى خاضها أهل رشيد بمصر عام 1870، عندما
تصدوا للحملة الإنجليزية بقيادة فريزر، لم يستكمل ناصر فصول الرواية، فأجرت وزارة الثقافة عام 1958 مسابقة لاستكمالها، وفاز بالمركز الأول الكاتبين عبدالرحمن فهمى وعبدالرحيم عجاج.
الإذاعة المصرية الحكومية، أعدت الرواية وبثتها على حلقات، أما مؤسسة أخبار اليوم فقد اعادت نشر الرواية في "كتاب اليوم" مساهمة منها فى الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لميلاد جمال عبد الناصر.
الثاني هو كتاب "فلسفة الثورة" وهو كتاب يحمل أفكار الرئيس جمال عبد الناصر، قام بتحريره وصياغته الأستاذ محمد حسنين هيكل وصدر عام 1954م. وفيه يرسم عبد الناصر، وهو الضابط الثوري الذي خاض
حرب فلسطين سنة 1948 ، صورة لما كان يتمناه لبلده .كان يرى أن الخلاص من الاستعمار يبدأ في بلده ، وكان يرى أن لمصر موقعا استراتيجيا في الوطن العربي ، وفي إفريقيا ، وفي العالم الاسلامي وان عليها ان تمارس دورها النهضوي القائد في هذه المناطق.
دار المعارف المصرية، قامت بطبع الكتاب، وقدم له كمال الدين حسين أحد الضباط الأحرار، والذي كان وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت، وهي طبعة كانت تدرس في المدارس وقتها.
والكتاب الثالث هو "يوميات الرئيس جمال عبد الناصر عن حرب فلسطين 1948م" وهي مذكرات من ‘يوميات’ عبد الناصر خلال وجوده في جبهة القتال في فلسطين خلال حرب 1948. وقد صاغها ونشرها أول مرة في مجلة آخر ساعة في ربيع سنة ،1955، رفيق عمره الصحفي محمد حسنين هيكل.
وأصدر انور السادات مجموعة من الكتب كلها دعاية للثورة وعبد الناصر، و هي: "القاعدة الشعبية"، "قصة الثورة كاملة"،" الصفحات المجهولة للثورة"،"أسرار الثورة المصرية"،"معنى الاتحاد القومى"،ثلاثون شهر فى السجن، "صوت مصر نحو بعث جديد"، واغلبها كتب صدرت عن دار نشر حكومية " الهلال".
أصدر أنور السادات "يا ولدى هذا عمك جمال" فى عام 1965 عن الدار القومية للطباعة والنشر وقدم فيه تحليلا لشخصية جمال عبد الناصر، ويروي الكتاب الذى يخاطب فيه ابنه جمال الذي سماه الرئيس الراحل
على اسم الزعيم جمال عبد الناصر، حيث كان ما زال في عمر الشهرين آنذاك، ليفتخر في هذا الكتاب بثورة 23 يوليو، وبالأخص بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي جمعت بينهما العديد من المواقف.
وفي واقعة فريدة من نوعها قرر الرجل أول وثوبه إلى سلطة الرئاسة أن "يصادر" بنفسه كل الكتب التي كتبها بنفسه خلال عصر عبدالناصر، وأشهرها كتاب "يا ولدي هذا عمك جمال": " الذي سحبه من الأسواق.
ثم أصدر السادات مذكراته وهو على رأس نظام الحكم في السبعينيات تحت عنوان "البحث عن الذات"، فى عام 1978، كتاب لا نعرف كمية الصدق من الزيف في روايته ووقائعه، لأنه صدر وهو رئيس!" وممكن
أن يغير في الوقائع "براحته" دون أن يجرؤ أحد على تصويب ما ذكر، والغريب في الأمر أن الكتاب، نشر بـ 13 لغة بينها الانجليزية والفرنسية والالمانية والعبرية منذ عام 1978 ولسنوات متتالية.
والسؤال الذي يفرض نفسه، من قام بتحمل تكاليف الطباعة والنشر والتوزيع، والترجمة لعدة لغات، خاصة أنه كتاب مطبوع طباعة فاخرة جدا؟؟
في عراق صدام حسين، قامت وزارة التربية العراقية بإعداد خطة منهجية جديدة للعام الدراسي تتضمن إدخال ثلاث روايات -يرجح أن الرئيس صدام حسين كتبها- في المناهج الدراسية المقررة. والروايات الثلاثة
هي: "زبيبة والملك" و"رجال ومدينة" و"القلعة الحصينة". وتم تزويد المكتبات المدرسية كلها بنسخ كافية من الروايات المذكورة لتكون في متناول الطلبة بغية استثمارها في دروس المطالعة والإنشاء والنصوص الأدبية.
وفي ليبيا السبعينات من القرن الماضي، صدر الكتاب الاخضر، المكون من ثلاث فصول، من تاليف معمر القذافي، وفيه يعرض أفكاره حول أنظمة الحكم وتعليقاته حول التجارب الإنسانية والاشتراكية والحرية
والديمقراطية، حيث اعتبر هذا الكتاب فيما بعد أساس النظام الجماهيري الذي ابتدعه معمر القذافي.
وأصبح الكتاب الأخضر مؤسسة متكاملة وجرت حول فصوله الثلاثة، الملتقيات والندوات والمحاضرات والمسابقات البحثية وكلها تصب في موضوع واحد هو فكر معمر القذافي الكتاب الاخضر.
أما أعماله الادبية مثل " تحيا دولة الحقراء" القرية القرية الارض الارض وانتحار رائد الفضاء فقد عقدت حولها المؤتمرات الأدبية العديدة التي نُظّمّت في ليبيا، احتفاءً بأدب العقيد معمّر القذافي، تلك التي نتج عنها
لاحقا ثلاثة مجلّدات ضخمة، تحوي عشرات الدراسات والبحوث والمقالات النقدية التي كتبها أدباء ونقاد وبحّاثة معروفون وأصحاب أسماء محترمة، تباروا في مديح موهبة القذافي الأدبية الخارقة، وما أحدثته من
تجديد، وتميّزت به من فرادة.
مما سبق ذكره، نجد انفسنا أمام حالتين مختلفتين أشد الاختلاف، عبر عنها الشاعر الإنجليزي (روديارد كبلنغ)، في مقولة شهيرة " الشرق شرق والغرب غرب.. ولن يلتقيا أبدا.
في الحالة الاولى" الغربية" ، نرى أن المؤسسات الاعلامية ليست ملكا للمسؤول، وتحكمها قوانين وتشريعات،وهي توظف وتعمل لصالح المواطن الذي هو أختار الحاكم لفترة زمنية محدودة،والاضواء مسلطة عليه أثناء فترة حكمه باعتباره شخصية عامة.
في الحالة الثانية" الشرقية"، نرى أن كل مؤسسات الدولة المختلفة مسخرة من أجل خدمة الحاكم، وتمجيده، وخلق صورة تشبه صورة السوبرمان.
الاختلاف بين العالمين، يرجع بسبب التباين الثقافي والعلمي والاجتماعي والسياسي بين العالمين، وعندما نراقب عن بعد الخطابين الإعلامي الغربي والشرقي وتناولهم لكافة القضايا نكتشف حجم تلك الهوة بين
الجانبين، لأن العقل السياسي الغربي، يعيش في أجواء ديموقراطية إعلامية، بينما العقل السياسي الشرقي يتناول فيه الإعلام القضايا بطريقة فيها الكثير من المغالطات والأكاذيب والبعد عن المصداقية.