Nov 23, 2024 Last Updated 7:25 AM, Nov 21, 2024

على المحك.. عندما يتقاطع الإبداع مع تجربة الكاتب الشخصية مميز

على المحك.. عندما يتقاطع الإبداع مع تجربة الكاتب الشخصية على المحك.. عندما يتقاطع الإبداع مع تجربة الكاتب الشخصية

حنان علي كابو

لا يملك الكاتب /ة مخيلة واسعة، أو معجم خاص بكلماته بل له عين ثاقبة وينظر أبعد بكثير من أرنبة أنفه يبحر في تأملاته، يشم رائحة قصة قريبة منه تطبخ على مهل، يعيد تدوير الحكايات، أحيانا يكون على رأس القائمة ويشاطر تفاصيله القراء، وتارة أخرى يمارس نوع من اللصوصية إن صح التعبير ويكتب عما تعثر به، وبعض التجارب لا تهدأ وإن كتب عنها ....

 جذور ممتدة في التجربة الشخصية

يرى الكاتب والقاص عمر أبو القاسم الككلي إن كثيرا ما تنطلق الأعمال الإبداعية، بشكل مباشر أو ملتوٍ، مع التجربة الشخصية، سواء القريبة في الزمن أو تلك التي جرت في الطفولة والصبا. ويضيف "وحتى الأعمال المنطلقة من تخيل محض لابد أن تكون ذات جذور ممتدة في التجربة الشخصية، بما في ذلك التجربة الثقافية، فالتحصيل الثقافي تجربة من نوع آخر.

ويؤكد من منطلق تجربته الخاصة إنه كثيرا ما وظف تجاربه في أعمالها حيث يقول " لكن، بطبيعة الحال، يعاد تقطيرها وتجرى عليها تعديلات، حتى تلك التي ذكرت فيها اسمي صريحا، سواء اسمي الأول أو اسمي كاملا.

وتابع معلقا حول سؤالي، وهل كان من باب التخلص من ذكريات أم استحضارها "

"فبالنسبة إليَّ لا تتعلق المسألة بالتخلص أو مجرد الاستحضار. الاستحضار طبعا ضروري، لكنه يؤدي أحيانا إلى أن تصبح الحالة المستحضرة عملا أدبيا جماليا."

 الكتابة ترمم الروح

وأشارت الكاتبة الروائية رزان المغربي إن الالهام لا يكف عن الحضور في حياة الكاتب، بل يتأتى من خلال حساسيته الخالصة لمراقبة ما حوله والتفاعل مع ما يجري له وللآخر، ومصادره متعددة ولا تتوقف على تجربته الشخصية وتضيف " وعندما يبدأ الكتابة يدخل إليها محملاً بتجربته وتجارب آخرين، ولا يمكن هنا إقصاء التخييل الذاتي، وإلا لأصبح المبدع مجرد مدون لحدث ما"

وقياسا عن تجربتها الخاصة تقول المغربي "بالنسبة لي وبعد منجز أدبي تراكم على مر السنوات، لا أنكر أن كثيراً من نصوصي القصصية والروائية تسربت إليها بعض الخبرات والأحداث والقصص التي عشتها، ولكن ليس بتلك الدقة التي حصلت في الواقع، لأن توظيفها في يخضع لمعايير فنية وشروط جمالية، الكاتب مثل كل البشر تستمر الحياة في اختباره، ويتعرض لمنعطفات حادة تجبره مرات على تغيير مساره وقدره، وتعرضه للعبث بخططه ومصيره"

. وتؤكد إن في الحياة لا توجد تلك المنطقة الآمنة مئة بالمئة، حيث تقول " يمكننا أن نسير وفق رغباتنا على الدوام فيها. لهذا كل شيء متوقع أن يصاب بالخيبة والخذلان، أن يقع أرضا وينهض ويبدأ من الصفر مجدداً.

التجارب المؤلمة فقط هي اختباره الحقيقي، لأنها تتسبب له بصدمة عاطفية، وربما لا يستطيع تجاوزها في ذات الوقت منتظراً حتى يستجمع شجاعته ويكتب عنها، وهنا تتعدد الخيارات أن يرويها كما حصلت، أو تتحول إلى عمل روائي معتمداً كلية على سيرته، ولهذا هناك أعمال تصنف رواية سيرية، وأخرى رواية، وليس من حق أحد تصنيفها إلا كاتبها.

وتبقى الكتابة من ضمن الفنون التي ترمم روح الإنسان المبدع، وتعيد إليه توازنه المفقود مع كل عمل ينجزه، سواء كتب سيرته التي لن تنتهي طالما هو على قيد الحياة أو كتب اعمالا بعيدة عن حياته الخاصة.

 ومن ضمن شهر القراءة الخاص، انتهت المغربي من قراءة رواية "حين يقترب القمر "هذا العمل الذي صنفته بالعمل البديع والمؤلم في آن، حيث كتبت عنه

"عندما تشاهد فيلما أو تقرأ رواية تتقاطع مع تجربتك الشخصية، سوف يكون تأثيرها أكثر، وستتعبك القراءة عندما تطاردك تلك الصور الخبيئة في ذاكرتك ولا تريد الافراج عنها هروبا منها والمضي إلى الأمام.

"فريبا" تحمل أطفالها وتختبر رحلة الهروب من بلادها في ظل سيطرت طالبان، قاصدة اللجوء وقد وضعت هدفا للوصول

تمر بعدة بلدان وفي كل مرة نرى كيف ابنها الصبي ينضج ويحاول تحمل بعض من المسؤولية، تتعرض لكثير من المشاق والضنك، لكنها تستمر

فهل كان بلد اللجوء يستحق المشي فوق دروب غير معبدة؟

حصلت على النجاة عندما عبرت حدود بلادها، ولم تكتف، تابعت بشجاعة فائقة.

رغم اللغة السهلة التي كتبت فيها والترجمة جيدة وهي بتوقيع ايمان حرز الله

لكنها بقيت حاملة في كل سطر منها رحلة الإيمان بأنها تفعل ما يتوجب عليها فعله"...

 شاهد على قيد الكتابة

ومن جانب آخر   ترى الروائية الكاتبة كوثر الجهمي إن ما يصنع الكاتب بكل تأكيد عاملان أساسيَّان: تجاربه، والقراءة التي تمنحه اللغة التي يعبر بها عن هذه التجارب.

وتضيف "في الواقع، أعتقد ان ثمة مفهوم خاطئ يتعلق "بالتجربة الشخصية"، خاطئ بالنسبة لي على الأقل، فالتجربة الشخصية لا تعني بالضرورة أني عشتُ موقفًا ما، بل قد تعني ببساطة أني كنت شاهدة على حدوثه لأحدهم، ودعيني أخبرك، بأني مبتلاة بالأحاسيس المفرطة إزاء المشاهد والمواقف التي تجري أمامي، أهتمّ لمعرفة بقية القصة، وتكملة المشهد، زوجي يسمي هذا "قصقصة"، وأنا أسميه "همًّا" أو اهتمامًا، أحيانًا أتذكّر على سبيل المثال "كريمة"، زميلتي من الصف الثالث حتى الخامس الابتدائي، لم تكن متميّزة في علاماتها، ولكنها كانت تملك شخصية عذبة، صادقة، دافعتْ عني مرة أمام معلمة فقدت أعصابها، فيما سكت البقية، توفّيتْ أمها ونحن في الصف الخامس، كريمة كانت أكبر إخوتها، ولم أعرف كيف أواسيها في ذلك الوقت، انتقلت من المدرسة، ومازالت تخطر ببالي بين الحين والآخر، وأفكر ما الذي تراه جرى معها؟ قيسي على ذلك، أرأيْت كمّ الهمّ الذي أحمله دون أن أنتبه أني كذلك؟ أمرر في قصصي ورواياتي كثيرًا من هذه المشاهد والمواقف، التي حدثت لي أو حدثت أمامي، على سبيل المثال، موقف ذُكر في رواية عائدون، حين قذفتْ زوجة عم حسناء بالكلمة لابنها: "شن حركات العائدون هذي!"، ربما كتبتها كذلك أو بصيغة مختلفة، حدث هذا الموقف أمامي، رأيت وجه بنت أحبها يمتقع، وسمعتُ دويّ هذه الكلمة حين قيلت أمامها لشخص آخر، كانت تحاول التظاهر بأنها لم تسمع شيئًا، لأنها معنيّة بالكلمة.

شاركتُ تجربتي الحقيقية كاملة مرة واحدة، في قصة "عالم الظل" الموجودة بمجموعتي القصصية "حي القطط السمان"، غير أني أضفتُ إليها بضعة تفاصيل تخيلتها قد تحدث ولم تحدث، أثناء إقامتي في مركز طرابلس الطبي لثلاثة أشهر، بقسم الجراحة العامة. ولا أعرف إجابة للسؤال: لِمَ كتبتها؟ غير هذا، تعتبر حياتي عاديّة، لا شيء فيها يغري للمشاركة، أنا أستعير ما يحدث حولي، وأكتب عنه حين يهزّني ويؤثر فيّ.

ورغم هذا، تجذبني الروايات التي تقتبس من حياة مؤلفيها، لأنها تكون أكثر حيوية وثراءً بذاكرة أخرى أشعر أني متعطشة لها على الدوام، مثل "الرواية المستحيلة -فسيفساء دمشقية" للمدرسة: غادة السمان، و"ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، و"خطأ غير مقصود" لرشيد الضعيف". كما تجذبني كتب الرحلات والسير الذاتية، لعلي أذكر من بينها آخر ما قرأته فيها، كتاب "أهل الله" لأغنس نيوتن كيث، ترجمة أ.فرج الترهوني وصادر عن دار الفرجاني، أذكر هذا الكتاب ليس فقط لأنه يندرج تحت تصنيف المذكرات والسيرة والرحلات الذي أحبه، بل أيضًا لأنه يتعلق بجزء من تاريخ هذه البلاد.

 ذخيرة ومنبع لبعض كتاباته

وفي تقديرها تشير الكاتبة القاصة انتصار بوراوي /: إن لكل كاتب لديه مصادر متعددة للكتابة ،يمتزج فيها واقع تجاربه الشخصية مع الخيال ولكن التجارب الحياتية بصوة عامة في حياة الكاتب قد تمثل ذخيرة ومنبع لبعض كتاباته ،وتضيف "بالنسبة لي فأنى لا أنكر بأن بعض كتاباتي القصصية استقيتها من تجاربي الحياتية الشخصية، وبعضها الأخر من شخوص وأحداث المجتمع حولي وربما الكتابة عنها لا تكون بغرض الاستحضار لها بقدر ماهي نتيجة رغبة في محاولة فهم الحياة، والعالم ولكن أيضا للخيال دور في الكتابة ،فكثيرا ما اسبغ الخيال على القصص التي قد التقط بعض شخصياتها من الواقع واتخيل دروب ونهايات أخرى لها، ولكن في المجمل لا يمكن فصل التجربة الشخصية عن الخيال في لحظة الكتابة فهما يتمازجان بحيث يصعب الفصل بينهما فتجارب الكاتب في الحياة تغنى كتاباته وتمثل رصيد ومخزون كبير للإبداع بصورة عامة"

 

 

اشترك في نشرتنا الإخبارية

ليصلك كل جديد من أخبار ومقالات وأخر القضايا الساخنة ... ضع بريدك الإلكتروني هنا

أعلن معنا هنا

 

أعلن معنا في الليبي اليوم

 

  • المقر بنغازي / ليبيا شارع عبد المنعم رياض/ عمارة الإعلام/ الدور الأول الهيأة العامة للصحافة بنغازي
  • +218.92.758.8678
  • +218.91.285.5429

 

read more