حنان علي كابو
على هامش حوار دار بيني وبين الكاتبة الروائية رزان المغربي ،سألتني لماذا لاتعدي استطلاع خفيف حول صناعة نشر الكتاب وكواليسه ،مسكت المغربي كل الخيوط ووضعتها في راحتي ،للأمانة الصحافية .
أخذ التقرير جانب آخر غير الذي خطط له ،أجتر كثيرا لمعاناة الناشر ،لتقلبات بعض المؤلفين ،لترددهم ،وخوفهم المظلم ،أجتر قضايا رفعت عليهم ،وأجتر أيضا شغفهم للورق ورائحته ،للكتاب وهو يخرج في أبهى حلة ،لمواضيع فتحت وأخرى أغلقت ودفنت في درج النسيان .
حاولنا ملامسة همومهم والأقتراب من تفاصيلهم الدقيقة أثناء رحلة النشر طرحنا جملة من التساؤلات كانت كالتالي
كصاحب دار نشر كيف تصف علاقتك بالكتاب والمؤلفين ، وهل هناك مواقف غريبة او غير مألوفة حدثت ؟ قد تشوب علاقة الكاتب بالناشر بعض من التأفف نتيجة لظروف التأخير، هل حدثت مواقف مضحكة او تعرضت لهذه المواقف ؟ كيف يستقبل طريقة انفعالاتهم ،هل لديهم افكار غريبة وطباع غير مألوفة ؟ كيف ترى طريقة تعاملهم واستعجالهم ولهفتهم من باب الاهتمام؟ هل هناك فرق في التعامل بين الكتاب الأدباء وكتاب الاختصاصات الأخرى؟
"استرزاق ورفع دعوى "
يسرد لنا الأستاذ محمد الجروشي ..من .دار الفضيل للنشر والتوزيع موقفا حصل معه قائلا :
مؤلف قام بنشر كتابه على حسابه وقد تولى توزيعه بنفسه، وبطبيعة عمله كأستاذ محاضر فقد وضعه كمنهج مقرر على الطلبة ،وقام برفع سعره، وبطبيعة عملي كناشر استطيع ان اعرف او حتى اقدر تكلفة الكتاب المادية، كما ان موضوع مادة الكتاب العلمية كتب وألف فيها الكثيرين، سألته لماذا رفعت سعر الكتاب الى هذا القدر مع انه غير مكلف وهذا السعر سيكون عبئا على الطالب وخاصة في هذه الظروف؟فاجئني برده قائلا ، الطالب الذي ليست لديه امكانية لشرائه فليترك الدراسة ويجلس في بيته او يبحث عن عمل يسترزق منه.
للأسف كثير من الكتاب يعتقد ان الكتابة والتأليف عمل يرتزق منه..وأضاف :
وبالتأكيد تأخر النشر يسبب الإنزعاج من البعض وكذلك سوء التوزيع لأن الكاتب مايهمه خروج كتابه للنور بأسرع وقت ممكن.
وفي حادثة أخرى نشرنا كتاب وحصل فيه خطأ غير مقصود بالطباعة ولم نلاحظ الخطأ صراحة، وإذ تفاجأنا برفع دعوى قضائية علينا من المؤلف.
يرى الأستاذ سراج الدين بطيخ ....عن .دار السراج للنشر والتوزيع ليبيا
إن علاقة الكتاب بكتبهم علاقة حميمية فالأصدار الجديد لأي كاتب كمولود جديد،وأضاف " طبعا هناك غيرة بين الكتاب في من سيصدر كتابه أولا وهذا يحسه الناشر خلال فترة الأعداد لنشر الكتاب، ومن خلال الإتصالات والمتابعة شبه اليومية لآخر المراحل التي وصل إليها تجهيز الكتاب
مواقف
ويضيف "أثناء الأعداد لتصميم الغلاف وهي المرحلة الأخيرة لتجهيز الكتاب للطبع، بعد المراجعة النهائية وإطلاع الكاتب على التصور المبدئي للغلاف، تجد صورة الغلاف على صفحات الانترنت وهذا قبل حتى إعتماد التصميم النهائي للغلاف، في نظري هذا شي إيجابي يشعر الناشر بحب الكاتب لمخطوطه.
وفي نفس السياق يتابع قائلا "من المواقف التي تكررت أكثر من مرة عندما يقدم الكاتب المخطوط ومعها تصميم الغلاف، هنا نحتاج إلى نفس عميق وصبر حيث الناشر له رؤية لاغلفة منشوراته وعلى الناشر الوصول إلى رؤى مشتركة حتى يتم التوافق. والحمدلله في النهاية نصل إلى توافق ولكن بعد جهد و وقت
. وفي بعض الأحيان الخط الذي يكتب به عنوان الكتاب ومكان اسم المؤلف وهذه الرؤى جيدة على الرغم من صعوبتها في المراحل الأولى ولكن من خلال المناقشة والمشاركة في الرأي والحوار نصل الي التوافق وياخد الكتاب مساره إلى المطبعة.
ويختتم حديثه باشارة عابرة لموقف إشهار الكتاب قبل الانتهاء منه قائلا" كان من المواقف المضحكة والمفاجئة"
سلم من المراحل
يعتقدالسيد غسان الفرجاني عن دار الفرجاني للنشر والتوزيع ان العلاقة بين الكاتب/ة وعمله/ها يمر بمراحل عديدة. في الاغلب الكتّاب يكونوا متمسكين بكتبهم ويغارون عليها، ولكن العلاقة قد تختلف من كاتب الى آخر. بين كاتب/ة جديد ومخضرم. هناك كتّاب واثقون من انفسهم لدرجة كبيرة وهناك كتّاب ينتقدون اعمالهم ويريدون ان يشتغلوا عليها اكثر. بعض المؤلفين بمجرد ان يسلمك العمل يريدك ان تنشره بأسرع وقت، وهناك كتّاب يتراجعون ويفقدوا الثقة في عملهم لحرصهم على جودة الرواية او العمل.
ويضيف الفرجاني
كل موقف يختلف عن غيره، وتختلف معه طريقة تعاملك مع الموقف كناشر"
بعض الكتّاب يقدمون عمل غير ناضج من وجهة نظر الناشر، وبعض الكتّاب يعتقدون ان مهمتهم تنتهي بمجرد تسليم العمل الى الناشر ، وهناك كتّاب يعتقدون انهم سيجنون مردود مادي كبير".
ويتابع في نفس السياق "معظم المواقف التي كانت مع المؤلفين والكّتاب الذين تعاملنا معهم كانت ايجابية. اكثر المواقف التي صارت معي كانت مع مترجمين قاموا بترجمة اعمال من العربية الى الانجليزية التي نشرناها في لندن. هناك مترجم تعاقدنا معه على ترجمة رواية عربية. وقعنا العقد ونفذ العمل ثم رفض المترجم وضع اسمه على العمل لخوفه من ردة فعل جماعات متطرفة. شرحنا له ان العمل نشر عربيا في الاسواق العربية واننا لن نقوم بالرقابة الشخصية في بلد مثل بريطانيا. مترجم اخر بعد قبوله للعمل اعترض لشكوكه بان احد الشخصيات تكون شخصية حقيقية.
علاقة روحية مقدسة
يصف السيد أيمن علي عوين، عن دار ومكتبة الشعب للطباعة والنشر والتوزيع، مصراتة.
علاقة الكاتب بمكتوبه مثل علاقة الأم بوليدها،ويضيف " بالطبع تتميز بنشوء علاقة عاطفية وروحية أشبه بالتقديس، ولا أعلم عن كاتب أنه كره ما كتب يوما؛ اللهم إلا تعديلا أو تنقيحا، فالمكتوب استهلك من كاتبه بحثا وجهدا ووقتا ومر من خلاله بعديد من اختلاجات نفسه وهناك من عانى نفسيا حتى أخرج إنتاجا أدبيا أو علميا،
ويسترسل عوين
.فعلا هناك مواقف كثيرة حدثت معي شخصيا، أستذكر منها مثلا، قمت بطباعة كتاب لكاتب من مدينتي، وكانت الكمية المطبوعة ألف نسخة منه، وبعد أن أتممت طباعته وقمت بعرض مجموعة منه على رفوف المكتبة وخزنت الكمية في مخازننا، وكان الكاتب ينتظر الكتاب بفارغ الصبر، وعند حضور الكتاب جاء ليطلع عليه ويستلم منه كمية ليقوم بإهدائها لبعض من أصدقائه، كان جالس على كرسي في ركن يتصفح كتابه وكأنه يقرأه أول مرة وكأنه ليس هو كاتبه، وكل فترة من وقت تصفحه كنت أسمع منه عبارة "لا حول ولا قوة إلا بالله-" وكان بيده قلم ويكتب، فكنت قلقا من أن هناك أخطاء في الطباعة -فنيا- حيث أنني المسؤول عن إخراج الكتاب ولست مسؤول عن النص، أخد قرابة الساعتين من التصفح وفي كل مرة أسمع حوقلته، حتى أتم التصفح واتجه إليَّ بقوله
: "لقيت في الكتاب مجموعة من الأخطاء الإملائية أنا مسؤول عليهن، كيف ندير توا؟"
أجبته:
"توا بعد الطباعة مافيش ما نديروا إلا نطبعوا ورقة ونرفقوها بكل نسخة تداركا للخطأ، ولو ما كانتش أخطاء فادحة ممكن القارئ يتجاوزهم عادي، وجل من لا يخطئ"
. ولكنه أصر على تصحيح الأخطاء، ولكن بطريقته الغريبة الصعبة، ألا وهي أنه سيصحح كل كتابه الألف نسخة بخط يده باستعمال قلم حبر سائل أسود، أخبرته أنه عمل مُجهد جدا ويمكن الاستغناء عنه بورقة نقوم بتصحيح الكلمات فيها ونصور منها ألف ورقة بماكينة التصوير ونقوم بطيها ووضعها في نصف الكتاب أسهل، ولكن من حرصه وحبه لكتابه أصر على الخيار الصعب، فما كان منه إلا أن يتفرغ كل مساء في حدود الثلاث أو أربع ساعات ويقوم بتصحيح مجموعة من الكتب، حتى أتم كل النسخ. هذه من أغرب الأحداث التي مرت علي خلال مسيرتي .
وتعرض السيد عوين لكثير من المواقف مع بعض الكُتاب،قائلا "الكثير من الكُتاب عندما ينتهي من الكتابة ويدفع بمخطوطه للنشر، يظن أن عملية الطباعة ستنتهي بسرعة، وبالطبع عملية الطباعة تواجه تحديات أهمها وأكثرها عدم وجود قدرة مالية لتحمل التكاليف الطباعية في هذا الوقت، ويؤجل حتى يتم تأمين قيمة التكلفة، وأيضا عندما يقوم الناشر بطباعة كتابه خارج البلد فالتأخير ينتج عن وقت الطباعة ومدة الشحن
. ومن الطرائف أن قام كاتب في وقت ما برفع قضية على مكتبتنا نتيجة التأخير الناتج عن تعذرنا في تحمل تكلفة الطباعة، وتفاجأنا صراحة من هذا الأمر والطريف في الأمر طلب في عريضته المقدمة للمحكمة مبلغا خرافيا، وعند جلوسنا معه في بيته قمنا بحل المشكل وديا وضحكنا عن ما حدث مع الكاتب وخاصة المبلغ الذي طلبه كتعويض معنوي عن التأخير، فتكلفة طباعته وحتى
في حال بيع كامل الكمية لن تصل لعشرة في المائة مما طالب به.
وفي سؤالنا كيف تستقبل طريقة انفعالاتهم ،هل لديهم أفكار غريبة وطباع غير مألوفة؟يقول عوين " لا يخلو الأمر من بعض الغرابة في تصرفات البعض، كحال البشر عامة، فتجد الشخصيات الإنفعالية والشخصيات الهادئة وغيرهم، ولكن الأكثر ازعاجا هم الكُتاب اللحوحين والذين يقومون بالاتصال والحضور دائما، فهم يتوقعون أن الكتاب بمجرد أن أنهى كتابه ستتم طباعته في يوم وليلة، ولكننا تعودنا وصرنا نتعامل بشيء من الصبر والحلم وتقدير للكاتب، وكما قلت سابقا كل كاتب يشعر اتجاه مكتوبه بشعور الأم على وليدها، ولكل مهنة تحدياتها وصعابها.
كيف ترى طريقة تعاملهم واستعجالهم ولهفتهم من باب الاهتمام؟
حقيقة يعجبني من يهتم بكتابه من ناحية التسويق له لدى القراء، فلا أحد أقدر على تسويق الكتاب أكثر من كاتبه، وهذا يسهل علي انتشار الكتاب وتوزيعه وبيعه في العديد من المناطق والمدن نتيجة للطلب الحاصل من عملية التسويق غير المباشر من الكاتب
. ومن وجهة نظري لا فرق، فالكاتب والمؤلف والباحث والمحقق هو نفسه، فالجميع يشتركون في كونهم أصحاب إنتاج فكري وأدبي وعلمي