Apr 29, 2024 Last Updated 8:40 AM, Apr 24, 2024

صحتنا في محطات والخطر الداهم

الدكتور/ علي المبروك بوقرين الدكتور/ علي المبروك بوقرين

 

تاريخ طويل ومرير من المعاناة عاشها الليبين نشهد على بعضها في انعدام الخدمات الصحية ، وكانت مقصورة على بعض المستوصفات النادرة تدار ببعض الممرضين الليبين والايطاليين ، وبعض الحملات الطبية من حين لأخر ، وتزداد في حالات تفشي بعض الأمراض المعدية ، وأعتمد السكان على الكثير من الطرق والأساليب العلاجية التقليدية ، وقضت العديد من الامراض على الكثير من السكان ، ولازلنا نذكر المسميات لبعضها مثل النمنم وابوشوكة والعوايا والحمى والجدري والسل والكوليرا وشلل الأطفال والتراكوما ، ونادرا ما كانت عائلة واحدة من جيلنا لم يموت لها افراد كانوا في الغالبية من الأطفال وكبار السن ، 

واهتمت الدولة اكثر في الستينات بزيادة التوسع في المستوصفات وتجهيزها ، والتعاون مع الجهات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والصليب الاحمر ، وزادت الاستفادة من خدمات المستشفيات التي بناها الاحتلال الايطالي ، وزادت اعداد سيارات الاسعاف لتنفيذ برامج الاحالة ونقل حالات حوادث الطرق للمستشفيات المتواجدة حينها والتي زودت بالعديد من الاخصائيين من الدول الشقيقة ، 

ومع بداية سبعينات القرن الماضي شهدت البلاد مرحلة جديدة في التنمية وبناء الالاف من المرافق والوحدات والمستوصفات والمراكز والمجمعات الطبية ، ومئات المستشفيات منها الجامعية وغيرها من المستويات التانوية والثلاثية ومراكز التأهيل ، وشيدت معاهد التمريض ، وافتتحت اول كلية للطب البشري ببنغازي بمعايير وامكانيات عالية وأعضاء هيئات التدريس من ارقى الجامعات العالمية وابتعث المئات من الطلبة لدراسة كل فروع الطبيات لمعظم دول العالم المتقدم وجهزت المستشفيات الحديثة بأحدث مافي ذلك التاريخ من تجهيزات واستجلب الآلاف من الأطباء والتمريض والفنيين من الكثير من الدول الشقيقة والصديقة ، وبنيت سلاسل الامداد الطبي لتوريد الادوية والمستلزمات والمعدات الطبية من المصادر الأصلية والموثوقة ، ودُعمت الرعاية الصحية الاولية بكل مايلزم من أطباء وتمريض وتجهيزات وبرامج تحصين متقدمة ، وصحة مدرسية وغيرها من خدمات كما هي بدول العالم الاول ، والليبيون في تلك الفترة كانوا يعالجون بالمستشفيات الليبية او بالمستشفيات الجامعية ببريطانيا وسويسرا والمانيا وإيطاليًا لا غير ، وتوالى انشاء كليات الطبيات بشري وأسنان وصيدلة ، وحققت ليبيا مؤشرات صحية ممتازة ، 

واتبعت الدولة الأساليب الادارية المتطورة حينها في التخطيط والتنمية والرقابة ، وتخصيص الاموال وصرفها بالطرق الصحيحة والسليمة ، مع قلة الدخل القومي ، واحتياجات الدولة والمجتمع للكثير من المشاريع التنموية في التعليم والاسكان والزراعة والطرق والمواصلات وغيرها الا ان حدث تغير جوهري في صحة الناس تزامن مع التغيير المعيشي . 

ولكن للظروف المتعددة والمتوالية مر القطاع الصحي بعثرات كبيرة ، ومنها الغاء سلطة القطاع ، واقرار تبعية الصحة لامانات الخدمات لاكثر من مرة ، وتفتت القطاع الصحي مما أوصلته الى الاستغناء عن الآلاف من العناصر الأجنبية وتلييب القطاع وتكدس اكثر من ربع القوى العاملة بالقطاع الصحي ؟؟؟ لا حاجة لهم وعبء على القطاع لآنهم خارج جميع المهن المطلوبة لتسيير القطاع الصحي وهياكله الخدمية ، وأكثر من 3/4 التمريض ويزيد من مستوى المتوسط بالتسمية فقط ( ومسعفين بدون تدريب ولا توصيف وظيفي ) بدلا عن التمريض الاجنبي المتخصص الذي كان يغطي معظم المرافق الصحية ، وغالبية أطباء القطاع الصحي الان مظلمون فهم بدون تخصص أو حديثي التخرج ، وتقوم على عاتقهم معظم الخدمات بالعام والخاص !!!! ولا يتمتعوا بتسويات إدارية وماليه مرضية ، ونظرًا لعدم وجود تعيين معظمهم متعاقد ومتعاون مع أكثر من مرفق صحي عام وخاص !!! ولا يوجد لهم اي برامج واضحة في التدريب الجيد او الحصول على تخصصات من اجسام تعليمية وتدريبية معتمدة ومعروفة دوليا 

وحرموا معظمهم من فرص الدراسة والتخصص في الخارج بالجامعات المعروفة عالميا ، او ايجاد فرص تعليم وتدريب وتأهيل صحيحة ومتقدمة ومعتمدة داخليا ، كالتي أتيحت للأجيال السابقة لهم ..

ولهذا ليبيا تعاني من نقص حاد في الكثير من التخصصات المهمة مع انهيار الخدمات بالمستشفيات الحكومية وحيث لايوجد سبب منطقي واحد يفسر أعطال الأجهزة الطبية التشخيصية والعلاجية بالمستشفيات والمراكز الطبية العامة التي لا تمتلكها معظم المستشفيات الاوروبية ، ومعظم السعة السريرية بالقطاع الحكومي معطلة ، وليبيا في حاجة ماسة وعاجلة لمضاعفة السعة السريرية بخريطة صحية جديدة وفق التوزيع والتنوع الديموغرافي ، والانتشار العشوائي للمخططات السكنية ، والتوسع في المدن والقرى ، ومطلوب زيادة مرافق الرعاية الصحية الاولية والطب الوقائي وخدمات طب الطوارئ والاسعاف ، وفي حاجة عاجلة لتغطية العجز الكبير في الأطباء والأخصائيين والتمريض المتخصص ، وضرورة وضع استراتيجية مع التعليم العالي لايصال الاحتياجات الفعلية بما يوازي على الاقل 5/1000 من الأطباء و 15/1000 من التمريض المؤهل الجامعي في الحد الأعلى والمعاهد العليا في الحد الأدنى ..

وكل الهياكل الإدارية والمالية والفنية بالقطاع الصحي يجب أن تخضع لأعادة تأهيل وظيفي بما يتماشى مع نوعية وطبيعة العمل الصحي والطبي .والتطور التقني والتكنولوجي، وإن تفتيت القطاع الصحي ، وتسليع الخدمات الصحية هو نقيصة في حق الدولة والمجتمع ومخالف للقانون والأخلاقيات . لم يفعلها الاستعمار البغيض ولا الدولة في شدة فقر الميزانية حتى في زمن المعونات ، .

وأي نظام صحي لا يطبق معايير جودة الخدمات الصحية يصعب قياس نتائجه وأدائه وتتعاظم أخطائه ويزداد فيه الهدر وترتفع النفقات . 

وفي غياب خدمات تعزيز الصحة والرعاية الصحية الاولية والطب الوقائي وطب الطوارئ والطب المنزلي والمدرسي والمهني تتعاظم خدمات الطب الاستشفائي وترتفع النفقات العلاجية وتتدنى جميع المؤشرات الصحية.وللاسف مع الثلوت البيئ ومياه الشرب الغير صالحة ، والاغذية الفاسدة ، وبيئات المعيشة والعمل والدراسة السيئة ، تفاقم فواتير الصحة وتجهد اي موازنات مخصصة للقطاع..

وإن لم تُتخد الإجراءات العاجلة لإصلاح صحي حقيقي وسريع ، سوف تخسر ليبيا معظم المؤشرات الإيجابية التي حققتها في الخمس عقود الماضية ، وتعود لمعدلات متوسط الأعمار السابقة في الخمسينات والستينات وما قبلها ، وسوف تزداد نسب الوفيات في الامهات والمواليد ، وتعود بعض الأمراض المنقولة بقوة ، مع الزيادات المطردة في الأمراض المزمنة الفتاكة 

ولكل ما سبق البلاد مهددة بارتفاغ معدلات البطالة والفقر والتسرب المبكر من التعليم مما يؤدي الي السلوكيات الاجتماعية السلبية والأمراض المترتبة عليها ..

والعالم يمر بمراحل صحية صعبة نتيجة الجوائح التي لازالت موجودة ومتوقع موجات أخرى أشد ، والحروب والصراعات التي قد تصل الى نتائج خطيرة جدًا يصعب التعامل معها صحيًا حتى للدول التي تمتلك نظم صحية قوية 

ولذلك تحتاج للاستعداد الكامل والتام بجميع الإمكانيات الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتشغيلية وسعات استيعابية ثابتة ومنقولة وكوادر مؤهلة وكافية عددا ويزيد لمواجهة التحديات الصعبة والمعقدة والخطيرة 

وكيف يتم هذا وحال الصحة كما هو عليه الآن..

         

المزيد في هذه الفئة : ضربة الشمس والإجهاد الحراري »
 

أكثر قراءة

أعلن معنا هنا

 

أعلن معنا في الليبي اليوم

 

  • المقر بنغازي / ليبيا شارع عبد المنعم رياض/ عمارة الإعلام/ الدور الأول الهيأة العامة للصحافة بنغازي
  • +218.92.758.8678
  • +218.91.285.5429

 

read more