May 07, 2024 Last Updated 7:47 AM, May 5, 2024

مفاهيم ومتطلبات الأمن والأمننة

الباحث/فرج بشير عيواز الباحث/فرج بشير عيواز

الخوف شيء فطري لدى الإنسان، ونسبي أيضا، فإذا زاد عن المعدل الطبيعي أو نقص أصبح حالة مرضية ونقيض الخوف هو الطمأنينة، فالإنسان بين حالتين، لا يمكن أن يجتمعا فيه أبدا، ولهذا الطمأنينة مطلب والخوف وسيلة لتحقيقها، وذلك باتخاذ كل التدابير والإجراءات التي تؤمنها، وتمنع أو تحد من رهاب الخوف وبهذه الإجراءات والتدابير عرفت البشرية منذ القدم، الأمن في أبسط صوره.

 وهو أن يتجنب الإنسان الأخطار بشكل مؤقت ومع تقدم الإنسان في الحضارة، استطاع أن يفسر الظواهر الطبيعية، التي كانت مصدر خوف له ويستأنس الحيوانات المتوحشة، ويتخذ منها وسيلة لأمنه، ويصنع السلاح ويبتكر الحيل لدر خطر المفترسات ولكن الإنسان صار عدو نفسه، وهكذا يبدأ نوع آخر من الصراع، وهو صراع بين البشر، ويتخذ عدة أشكال صراع على الموارد الطبيعية أو السيادة أو صراع عقائدي .... الخ، إلى أن يصل إلى أحقر أنواع الصراعات، وهي أن يقتل الإنسان أخيه، ويستعبده ويسخره لخدمته، وهذا دفع الإنسانية لتطوير منظمتها الأمنية، وتتخذها جزء من نظامها الحياتي وبهذا عرف الإنسان أبسط أنواع الأمن وهو الاعتماد على ردة الفعل ولا يوجد تنبؤ بالمستقبل ولا بالأخطار، ولا إجراءات احترازية مناسبة. وهذا أدى إلى إهمال الكثير من ركائز الأمن، مما جعله أمن ضعيف ومخترق، وكثير من الأمم وخاصة المتقدمة تحولت من الأمن التقليدي إلى الأمننة وهي الأشمل والأعم، وتعتمد التنبؤ بالمستقبل والإخطار والفعل السريع وليس ردة الفعل، والأمن الإقليمي والفضاءات الأمنية كلما أمكن.

ولكن هناك متطلبات للأمننة، فإذا كان الأمن التقليدي متاح للجميع، فالأمننة غير متاحة للكل، فمنذ فجر التاريخ والصراعات بين البشر على أشدها، والمطلع على تاريخ تلك الصراعات والمتتبع للأحداث التي تجري في العالم اليوم وبالأخص المحصورة بين انهيار الاتحاد السوفيتي في 12126|1991 وغزو روسيا الاتحادية لأوكرانيا بتاريخ 24\2\2022. يخلص إلى الآتي:

أن الأمن حق، يحفظ بالقوة الذاتية، وينتزع ولا يمنح، وإن عالم أحادي القطبية لا يؤمن الأمن ولا الأمننة لكل شعوبه واممه، بل للأقوياء فقط، إن الأمن معلومة صادقة ومعلومة مضللة، إن الأمن كائن حي! إن الأمن ثابت متغير، إن الأمن كل لا يتجزأ، لا أحد يحمي أمن أحد، إنما هي المصالح، والأمن التقليدي لم يعد يلبي متطلبات العصر، ويفسر ذلك الآتي: بعد تحول العالم إلى أحادي القطبية، بانهيار الاتحاد السوفيتي، وبعد هجمات 2001/9/11م، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن شعاره الشهير (من ليس معنا، ضدنا).

 وبهذا ألغي مبدأ الحياد والذي كانت تتبناه حركة دول عدم الانحياز، وتعرضت الكثير من دول العالم إلى الغزو والاحتلال وإسقاط أنظمة الحكم فيها، والاستيلاء على ثرواتها وأرصدتها، بعد أن أجبرت على تسليم ما لديها من اسلحة الدمار الشامل، مقابل ضمانات أمنية، مثل أوكرانيا التي كانت تملك ثالث أكبر مخزون نووي في العالم، سلمته مقابل ضمان أمنها والدفاع عنها، وأيضا ليبيا عندما وضعت تحت البند السابع، بطلب من جامعة الدول العربية.

و هذا يؤكد مبدأ لا أحد يحمي أمن احد إنما هي (المصالح)، واعتمدت القيادات السياسية والعسكرية، و الشركات التجارية و الصناعية وغيرها، على المعلومات الواردة إليها من مصادر جمع المعلومات المختلفة، في اتخاذ القرارات المناسبة حيال أية مسألة أو أمر، ويتوقف مدى صواب هذه القرارات من عدمها على عدة عوامل منها مدى صحة ودقة هذه المعلومات (فتبينوا) من الآية السادسة سورة الحجرات، وعلى مدى فهم العاملين و قدرتهم على التحليل و الاستنتاج و التنبؤ و وضع الحلول والخيارات المناسبة أمام صانع القرار، و مدى قدرة صانع القرار على اتخاذ القرار المناسب، و في الوقت المناسب.

والأمن كائن حي مثل الدولة التي هو أحد دعاماتها، يدار بأفراد، وبولائهم وإخلاصهم وحيويتهم ونشاطهم في العمل، ومدى توفر الإمكانيات والتشجيع والحرية وعدم التسلط والعدالة، كل هذه العوامل تجعل منه كائن حي، ينمو ويتطور ويثمر، وإن حدث العكس، فإنه يمرض ويترهل وتقل إنتاجيته، إن لم تنعدم ويصبح عبء وخطر على المجتمع. ويقصد بالثابت المتغير، إن أهميته ثابتة لكل المستويات فلا يمكن الاستغناء عنه أبدا، ولهذا هو مطلب الإنسانية منذ القدم. وكدلك مصدر التهديد واتجاه ونوعه ثابت غالبا، ومتغير النوع والأولويات فحاجات الإنسان الامنية تتغير بتغير الظروف والأحوال والزمان والمكان. وهو كل لا يتجزأ. فلا يمكن إن يستغنى بجانب على حساب آخر، وإلا حدث التأثير السلبي، كما في أحجار (الدوم ينو).

فإهمال الأمن السيبراني مثلاً يؤدي إلى أخطار أمنية على كل ركائز الأمن، وقد يُسقط نظام الحكم والتطور الحاصل في العالم، في مجال الالكترونات والبرمجيات والصناعات العسكرية وفي مجال الفضاء وغيرها. دفع بالدول التي تمتلك هذا التطور إلى توسيع مجال أمنها من أمن داخلي إلى إقليمي إلى أبعد من ذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية تقول إن أمنها يكون حيث ما تكون مصالحها، في أي مكان من هذا العالم، ولهذا نراها تسعى جاهدة لمنع دول العالم وخاصة الغير تابعة لها من التطور والتقدم وخاصة في مجال الأسلحة الذرية، ووسائل نقلها.

وتحذو حذوها في ذلك بريطانيا وفرنسا حفاظا على مستقبلهم الاستعماري، وروسيا ترى انضمام دول شرق أوروبا إلى الناتو وخاصة أوكرانيا، خطر على أمنها القومي، وتتخذه مبرر لغزو أوكرانيا، ومصر تعتبر سد النهضة يهدد أمنها الماني وبتالي أمن وجودها ومصير العالم في الأمننة، متوقف على نتائج الحرب الروسية في أوكرانيا إما تنتصر روسيا ويصبح العالم متعدد الأقطاب، وبذلك تضمن الدول الضعيفة، التي لا تمتلك أسلحة الدمار الشامل العيش في أمن وسلام، في ظل تصارع وتجاذب الأقطاب المتعددة، أو تخسرها ويضل العالم أحادي القطبية، ولكن بشكل أبشع من ذي قبل. وسيكون الأمن والاستقرار حكر على دول مجموعة النادي النووي.

 

أعلن معنا هنا

 

أعلن معنا في الليبي اليوم

 

  • المقر بنغازي / ليبيا شارع عبد المنعم رياض/ عمارة الإعلام/ الدور الأول الهيأة العامة للصحافة بنغازي
  • +218.92.758.8678
  • +218.91.285.5429

 

read more