حنان علي كابو.
لم تكوني وحدك يا "يودورا ويلتي " حين قلتِ: “كنت أرغب بالقراءة وحدها، وكانت خشيتي الوحيدة من كتب تصل إلى نهايتها"، فأغلبنا وقف خلفك وهتف، بكلماتك.
في حالة استسلام تام وبمعزل عن الكل يمارس كلا منا فعل القراءة بتخصصات معينة، نجنح للخيال، ومنا من يبحث عن أثر في التاريخ، ومنا أيضا من توقفه السياسية بمسالكها وتعرجاتها، بثقلها وأرثها.
يظل فعل القراءة محبب رغم تخوم الزمن وهموم اليوم المتزايد، تظل فسخه نركن إليها بعيدا عن انشغالات لا حصر لها نسترق وقتا نستظل به قدرا من المتعة والمعرفة، وننهل من معين لا ينضب.
فمن يفتح شهية القراءة على مصراعيها، وأي كتب تركت أثرا عميقا وكبيرا في النفس، وهل لازال هناك من يخصص لها وقتا معينا، وأي كتب تقف طويلا أمامها، حملت في جعبتي هذه الأسئلة وتركتها في بريد ضيوفي الذين شاركوني برحلتهم مستفيضين.
يقرأ بشغف ويحمد الله عليه.
لا يدري تحديدا المترجم الكاتب القاص الدكتور عطية الأوجلي ما الذي يثير شهية القراءة لديه هل هو الفضول، حب المعرفة، احتياج، أم إرضاء لدوافع نفسية، لكنه يقر بأنه يقرأ بشغف ويحمد الله عليه.
ويعترف بأنه لا يخصص أوقاتا للقراءة حيث يقول " اقرأ حيث ما أتيحت الفرصة لي ألم نقل انها شغف!!! وهل يمكن ضبط الضعف أو التحكم به؟
توقف كثيرا الأوجلي عند " ثمار رحلة عبد الوهاب المسيري، ويصف هذا العمل بأنه "رحلة عقل جبار وإنسان رائع ... تمنت لو أتيحت لي فرصة لقاءه ومعرفته، رغم انني أحس بمعرفته لكثر ما قرأت له.
يستهويه الابداع بكل صوره ويشير في ذلك قائلا"لا يهمني إن كان الكاتب مشهورا أو مغمورا، مفكرا، أو مجرد كاتب لانطباعاته، معاصر أو تاريخي، المهم أن تعجبني فكرة الكتاب أو الجهد المبذول فيه.
. كل ما قرأت قد ترك أثرا ما في نفسي، ولكني لن انسى رواية" "البؤساء" فقد قرأتها في صغري العديد من المرات وربما هي احد أسرار تعاطفي مع المظلومين وتفهمي للأشقياء ... وكتاب "الأخوة كارامازوف"، ورواية "رجال تحت الشمس" وكتاب "خارج المكان"..... وغيرهن.
العثور على كتاب يثير دهشة ويأسرني
يفرض النص الجيد نفسه على ابن غدامس الكاتب والقاص الروائي والباحث في التاريخ إبراهيم الإمام، يتملكه ويجعله يواصل التهامه كما يصفه ويضيف “، أشعر بخوف كلما تقلص عدد الصفحات، أخفف من سرعة القراءة خشية الانتهاء، فالعثور على كتاب يثير دهشة ويأسرني أصبح صعبا هذه الأيام لهذا أتمهل في انهاءه خشية أن يكون الكتاب الموالي أقل إثارة وتشويقا."
يقرأ كاتبنا في أقرأ في أي وقت وأي مكان يمكنه ذلك بسهولة، في السيارة، على مقعد المقهى، بالسرير، في حديقة عامة او حافلة نقل ركاب او ورشة اصلاح السيارات، فالقراءة لديه كما يصفها بدقة " هي الأساس وباقي الحياة فواصل استراحة."
وأفضل وقت يستمتع فيه بالقراءة ساعة قبل النوم كما يشير ويضيف"، تلك الساعة لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت الأسباب."
يقرأ الإمام أكثر من كتاب في نفس الوقت، قد يصل العدد لخمسة وربما أكثر ويصرح لنا قراءاته هذه الأيام قائلا " بين يدي الآن إعادة لرباعية الكون الخسوف، كوابيس مضحكة لوسف معاطي من الادب الساخر، رواية الليل والضباب للروائي التركي اوميت احمد، جنون آخر لممدوح عدوان."
وتظل كتب الأدب أكثر ما يمليها اهتماماته وفي هذا يقول خاصة في ادب الرواية والقصة القصيرة والمسرح وأدب الطفل العربية والمترجمة. كما يأسره التاريخ وادب السيرة الذاتية، وبشكل خاص تستهويه روايات الغموض والروايات البوليسية والتاريخية."
وقد تركت رواية المجوس للكوني إضافة لرواية في ظلال غدامس للفرنسية جويل ستول، أثرا كبيرا في مسيرتي الأدبية. إضافة لرواية شفرة دافنشي لدان براون."
شباك الطائرة المنفتح على الأفق
عن حياتها الأكاديمية تسترق الدكتورة عبير امنينه /استاذة العلوم السياسية لتمارس بعضا من هواياتها حيث تولي القراءة اهتماما خاصا في السفر..وعند ساعات الانتظار الطويلة ومحطات الترانزيت، وشباك الطائرة المنفتح على الأفق .وكذلك في أيام الإجازات الطويلة ، وتضيف قائلة "وبدون معرفة السبب (رياح العجاج القوية تمنحني رغبة عارمة في القراءة ) أحاول أن اخصص ساعة قبل النوم يوميا للقراءة ، لكن سرعان ما يأت النعاس ليطيح بهذه الرغبة ، لذا الانتظام غير موجود للأسف.حاليا اقرأ" حضارة كيف تأمركنا" لريجيس دوبريه عن أمركة العالم ومعنى الحضارة وتمثلاتها في العالم وماهيتها، وهنا الحديث موجه الى أوروبا طبعا.."
وقد ترك كتاب "الحياة السائلة لسيجمونت باومان"أثرا عميقا لدى امنينه وتصفه بأنه كتاب يشكل الإطار الناظم لسلسلة من الكتب للكاتب نفسه عرفت بكتب السيولة، وهو كتاب اقرأه للمرة الثالثة ربما، في الحياة السائلة يصف الإطار العام لنظام الحداثة السائلة، والتي فيها كل المعاني تكتسي بمفهوم السلعة والعالم بكل مكوناته هو موضوع استهلاكي بحت، يفقد روحه وسحره وإغوائه.
كتاب ممتع بكل اجزائه، كذلك وانصح بقراءة الحب السائل والذي ركز على هشاشة العلاقات الإنسانية ووقوعها في الاسر (الاستهلاكي) حيث تتولد الحاجات بشكل سريع وتحول كل جديد إلى قديم يجب التخلص منه بما في ذلك المشاعر والعلاقات والاجساد كذلك، تولي مدير مركز وشم لدراسات المرأة في ليبيا اهتماما خاصة بكتب علم الاجتماع السياسي، الفلسفة، الروايات، المذكرات السياسية".
الكتب التي تنقلني إلى عوالم جديدة
تمنح القراءة للشاعرة -الكاتبة من السودان الشقيق والمقيمة في بريطانيا -منى محمد طاقة إيجابية وحالة خاصة من السعادة، حيث تستهل حديثها قائلة " أنا أكثر شغفًا بالكتب التي تنقلني إلى عوالم جديدة، تقدم شخصيات معقدة، وجهات نظر فريدة. أستمتع جدا بتلك الكتابات التي ترج دهشة ومخيلة القارئ، وأجد متعة بالغة في البحث واختيار عناوين الكتب التي تتنوع بين الأدب الروائي، القصصي، والتاريخي، أميل بشكل واضح إلى كتب الشعر، والأدب المترجم أكثر ما يحفزني لكل تلك القراءات التي أجد نفسي فيها."
وتضيف مسترسلة "بجانب تنوع القراءات وأساليب الكتابة الجيدة، التي تتناول مواضيع قابلة للجدل وبأسلوب سردي مختلف، يزيد ذلك رغبتي في قراءة الكتب التي تثري المعرفة وتزيد من الوعي الذاتي، وتقدم رؤى جديدة ومحفّزة تعلمني الكثير وبشكل ملهم.
القراءة بالنسبة لشاعرتنا حياة كاملة، واستكشاف عوالم جديدة وأفكار مختلفة.وفي هذا تقول لدي روتين يومي ثابت للقراءة، تتخلله فوضى محببة للنفس، فالأوقات التي أفضلها للقراءة، هي في الصباح الباكر جدا، وفي المساء عندما يكون الهدوء والسكينة هما السائدان.
انتهيت الآن من رواية "الرجل الذي باع حبل المشنقة" لخالد حسين، تستهوي ضيفتي الكتب التي تحفز على التفكير وتثري المعرفة وتزيد من الوعي الذاتي، بالإضافة إلى الروايات التي تأسر الخيال حيث تصيف " تأخذني إلى عوالم مختلفة تماما
أحد الكتب التي اعدت قراءتها وتركت فيّ انطباعًا مؤثرا هو كتاب "1984" للكاتب جورج أورويل.، ادهشني تصويره لمجتمع ديستوبي بدقة عالية، فضح قضايا السيطرة الحكومية وفقدان الحريات الشخصية.. كل هذا جعلني أتأمل في جودة اللغة المتقنة في الكتابة، وأهمية التفكير المستقل بشأن القوة والتحرر، وما يحمله من بعد إنساني وإبداعي، شاسع.
الوقود الذي يشحن أحلامي وخيالي
لم ترتبط القراءة يوما بالشهية لدى الشاعرة مريم سلامة، بل بالضرورة. تقول " في طفولتي كنت اهرب (إليها) من واقع (عادي) واقع يغايره ما أجده في الكتب ولذلك كنت احتاجها للمزيد من الوقود الذي يشحن أحلامي وخيالي بالطاقة". *
وتسترسل "عندما كنت (وحدي) صغيرة تشق طريقها في عالم الكتابة كنت أقرأ في كل وقت طالما كان هناك وقت وما اوفره في ذلك الواقع (العادي)، والآن ومنذ أكثر من 20 سنة أصبح إيجاد الوقت معضلة، لذلك عندما أجده لا أسأل أين وكيف فقط اقرأ، بصري أيضا يعيقني، وطبيب العيون ينصحني دائما بعدم الإجهاد.
تشاركنا آخر قراءاتها قائلة "الآن اقرأ (ترميم) مجموعة قصص قصيرة لأقلام شابة، خطفته من يدي ابنتي (جنى) ليلة عادت به من حفل توقيعه.
تلتهم سلامة كل الكتب التي تمر في طريقها قائلة "كل الكتب تستحق ان تقرأ ولكن إذا لم تستطع أن تشدني إلى النهاية سأتركها جانبا حتى لو كان موضوع الكتاب يستهويني".
إذا كان هناك كتاب ترك أثر في نفسي سيكون ذلك منذ زمن بعيد فلم أعد أذكر. أو ربما ضاع الأثر. الكتب التي حركت مشاعري وسرقت النوم من عيني واذرفت دمعي كثيرة ومنها رجال في الشمس/ حقول الرماد/البؤساء. لكنها مشاعر لابد لها أن تسكن في النهاية، هناك كتاب بالإنكليزية غير طريقتي في الكتابة وكان أثره كبيرا على عملي كباحثة أكاديمية وهذا هو عنوانه: "Writing on both sides of the brain"
الورق خشناً غير مصقول ومصفر اللون
تتعثر الكاتبة الصحافية والأستاذة الجامعية الدكتورة سكينة بن عامر دائما بالعناوين الغير معتادة ،تلتفت انتباهها وتجعلها تقف طويلا أمامها لمحاولة سبر اغوارها وتفصح عن ما يثيرها لقراءة كتاب معين قائلة "ليس لدي شيئاً محدداً يثير شهية القراءة عندي، فبصرف النظر عن موضوع الكتاب الذي يقع في دائرة اهتمامي، أو اسم الكاتب المفضل عندي؛ فإن ما يثير شهيتي حقاً لقراءة الكتاب هو عنوانه غير المعتاد، فأي عنوان غريب يجذبني ويمنيني برحلة استكشاف لروح الكتاب، ولا أبالي إذا وقعت في فخ تعارض العنوان مع المحتوى فيكفيني أنني استمتعت بلحظة الاكتشاف، أيضاً يثير ملمس الورق شهيتي للقراءة خاصة عندما يكون الورق خشناً غير مصقول ومصفر اللون قليلاً، فهذا النوع من الورق يجعلني أتلمس الكلمات، وأحضنها، يجعلني أعيش مغامرة البحث عن الكنز المخبأ وراء الكلمات، حتى وإن كان الكتاب عادياً بعيداً عن الإثارة، فالقراءة بروح المغامرة تحيي الكلمات وإن كانت عادية، حجم الكتاب أيضاً يغريني، فأحيانا اشتري الكتب صغيرة الحجم لأدسها في حقيبة يدي، هي تكون رفيقتي في أوقات الانتظار. أخبرك عن أشياء مغرية أخرى؟ أم أكتفي بهذه الإغراءات؟
وفي سؤالي عن تخصيص أوقاتا معينة للقراءة تضيف "من منا يمتلك ترف تخصيص وقتاً مفضلاً للقراءة في وقتنا الحالي الذي نلهث فيه خلف الالتزامات؟ لقد عودت نفسي على ألا يقيدني الوقت في قراءاتي، بل جعلت القراءة هي لحظات الراحة بين التزاماتي مع طلابي ومحاضراتي، أو انشغالي بالكتابة والتأليف، أو التزاماتي الأسرية والاجتماعية، ففي وسط هذه الالتزامات دائماً أجد سويعات متناثرة لأقرأ ما أحب قراءته بعيداً عن قيد الالتزام.
أخر كتاب قرأته كان "عبد الناصر وثورة ليبيا) لفتحي الذيب، وتقول عن سبب اختيارها لهذا الكتاب "هو كتاب أُهدي إلى مؤخراً رغم أنه كتاب قديم صادر من عام 1986، صحيح هو ليس من قراءاتي المفضلة، لكن عنوانه وملمس ورقه وأحرف طباعته القديمة هو ما جذبني، هذا الكتاب في التاريخ السياسي وهو يحمل حقائق لم أكن أعرفها، وكعادتي عندما تختلط الحقائق التاريخية في ذهني أبحث عن كتب شبيهة وأقرأها في ذات اللحظة لأقارن بين المعلومات واستكشف ما وراء الكلمات، لذلك أخرجت من مكتبي كتاب (حقيقة ليبيا لسامي حكيم الصادر عام 1968) وكتاب (لعبة الأمم لمايلز كوبلاند الصادر عام 1969) وبدأت القراءة المتنقلة بين الكتابين فاكتشفت الخيط الخفي في وقائع التاريخ السياسي وسياسة التاريخ). وعندما (ظلّمت) الأفكار في رأسي تركت كل هذا التضارب في السياسات وعدت إلى استكمال رواية نجيب محفوظ (بين القصرين) من الثلاثية الرائعة لأخفف عن نفسي شعور الغضب مما نحن فيه.
تستهوي كتب التراث وكتب التاريخ والروايات بأنواعها و(مجلة ميكي) على ذائقة استاذتي وتصف الأخيرة بأنها فاكهة الكتب وحلوياته البهية.
وقد ترك "تاريخ القراءة "لالبرتوا مانغويل أثار عميقا لديها وقد وصفته بأنه " الكتاب الذي عشت بين صفحاته وكأنني جزء منه وهو كتاب جدير بالقراءة لأنه حكاية حب كبيرة، تروي قصص عشق غير عادي يربط بين أفراد عائلة القراء الموغلة في القدم، بعضهم مشهور وبعضهم مغمور، وهو الكتاب الذي لم أمل من قراءته، فهو مسرد تاريخي لتطور القراءة، وهو كتاب ساحر لا نهاية له وهذا من حسن حظنا جميعا، فبعد الفصل الختامي للكتاب، وقبل قائمة المراجع و الهوامش النهائية، ترك الكاتب بضع صفحات فارغة كي يدون القراء فيها ملاحظاتهم، ويسجلوا أفكارهم عن موضوع القراءة، ويقيموا بعض الأمور المنسية، ويضيفوا الاقتباسات الملائمة، ويذكروا الأحداث والشخوص التي يعرفونها، فكيف لي أن أقاوم مثل هذا العوة للمشاركة؟ وكيف امنع النفس من إضافة بعض الصفحات من حياتي وحياة أقرب الناس الي ممن كانوا، ولا زال بعضهم، مولعين بالقراءة، ويتنفسون بها؟ خضت هذه التجربة الساحرة، ووثقت في سبع حكايات أضفتها للكتاب تاريخ القراءة والقراء في بيتنا الجميل الذي يتخذ من القراءة والاطلاع والمعرفة عنواناً له.هذه الحكايات المرتبطة بكتاب تاريخ القراءة للاطلاع عليها"