Oct 02, 2025 Last Updated 7:49 AM, Sep 24, 2025
أخر الأخبار:

القوامة بين الرعاية والاستبداد: فهمٌ صحيح ومسؤوليةٌ عادلة

لا أعرف متى نشأت فكرة ولاية الرجل المطلقة على المرأة، لكني أراها امتدادًا لمنظوماتٍ قديمةٍ حاولت تنظيم المجتمعات عبر فرض التراتبية، فكان أن جُعل الرجل مسؤولًا، لا دائمًا عن رعاية المرأة، بل أحيانًا عن تعطيلها. وكأن الاستقرار لا يتحقق إلا بإقصاء الحلقة التي اعتُبرت الأضعف، لا لخللٍ فيها، بل لأن ميزان القوة فُرض بناءً على معايير ظاهرية، لا على مؤهلاتٍ فعلية. إن من أرسى هذا المفهوم الاجتماعي الخاطئ لم يُراعِ شرط سلامة الرجل العقلية والنفسية، فجُعِلت القوامة مُلزمةً لكل رجل، لا لكل رجلٍ راشدٍ حكيم، وأُلزمت بها كل امرأة، لا كل امرأةٍ ضعيفةٍ تحتاج إلى من يسندها.

فكم من فكرةٍ عظيمةٍ وُئِدَت قبل أن تُولَد لأن امرأةً كان يمكن أن تبتكرها حُبِسَت في بيتها، وكم من اختراعٍ بقي حبيس الأوراق لأن حاملته مُنعت من ممارسة حقها في العلم والعمل، فقط لأن ثمة كائنًا هشًا لم يستوعب ذاتًا أقوى من ذاته! وهنا يكمن السؤال: هل القوامة مفهومٌ صحيحٌ لكنه يُساء استخدامه، أم أنها سلطةٌ وُلدت منحازة؟ في الحقيقة، ليست القوامة انتقاصًا من المرأة، بل تكليفٌ للرجل بمسؤوليةٍ ينبغي أن يكون أهلًا لها. فقد جعل الله الرجل راعيًا لأسرته، وألزمه بالسعي لحمايتها وتوفير أسباب استقرارها، لا بحبس المرأة أو مصادرة قرارها، بل برعايتها وتوجيهها بالحكمة والمودة. إن المرأة - مهما بلغت من القوة والوعي - تحتاج إلى الرعاية، لا لأنها قاصرة، بل لأن الفطرة السليمة تميل إلى الاحتواء والعناية. فهي تحتاج إلى من يصونها، إلى رجلٍ يسندها، لا ليحجبها عن الحياة، بل ليكون لها سندًا فيها.

تحتاج إلى دلالٍ واهتمام، لا كطفلٍ يُعامل بوصاية، بل كروحٍ تحب أن تُكرَم وتُقدَّر. وهذه ليست قوامةً قسرية، بل شراكةٌ متكاملةٌ تقتضي أن يكون الرجل قائدًا مسؤولًا، لا متحكمًا مستبدًا. إن الرعاية الحقيقية للمرأة ليست في الحبس، بل في تثقيفها، في دعمها، في منحها الوعي الذي يحميها من الوقوع في فخاخ مجتمعٍ لا يرحم. ليست الحماية في التقييد، بل في تكوين مفاهيم ناضجة تستطيع بها التمييز بين الحرية والضياع، وبين التمرّد الهادف والعبث. - عن القوامة… كيف يُفسدها الفهم القاصر؟

اللغة العربية تمنحنا مفاتيح الفهم، فالقوامة من ذات الجذر الذي اشتُقّت منه الاستقامة، أي أن جوهرها قيامٌ على الشيء برعايةٍ وحسن تدبير. وهي تكليفٌ للرجل بأن يكون مسؤولًا عن أسرته، لا أن يكون مُتنفِّذًا فيها فكيف انقلب هذا المفهوم إلى سُلطةٍ تُمارس وتُستغل، بدل أن يكون مسؤوليةً تُؤدَّى؟ الغريب أن من يتحدث عن القوامة هم غالبًا الرجال، ومن زاوية الحقوق المكتسبة لا الواجبات المطلوبة. يرونها سلطة، لا تكليفًا، في حين أن القوامة - وفق النص القرآني - مسؤولية تُبنى على أهليةٍ عقليةٍ ونفسية، لا على الذكورة وحدها. فأيّ معنى يبقى حين يُطالب الرجل بالطاعة دون أن يُطالب بالرشد؟ وأيّ عدلٍ يُرجى حين تصبح القوامة ترخيصًا للهيمنة بدل أن تكون التزامًا بالحماية والرعاية؟ كم من الرجال جعلوها ذريعةً لفرض السلطة بدل أن يجعلوها طريقًا لتحمّل المسؤولية؟ وكم من النساء استشعرن أن هذا المفهوم ليس إلا قيدًا، لأن من يفترض أن يقوم عليهن لم يكن أهلًا لذلك؟ القوامة ليست امتيازًا ممنوحًا لمجرد كون الرجل رجلًا، بل هي التزامٌ مُرتبطٌ بالكفاءة. فليس كل ذكرٍ قوامًا، كما أن ليس كل امرأةٍ ضعيفةٌ تحتاج إلى قوامة. إنما الأمر يتعلّق بظروف العلاقة نفسها.

فحيث يكون الرجل مسؤولًا بحق، قادرًا على الاحتواء والتوجيه، تكون القوامة رحمةً، وحين تُستغل كأداة تحكّم، تتحول إلى استبداد. إن العلاقات ليست سجنًا، وليست عقد طاعة بين سيّدٍ ومسجون، بل هي تفاهم، وشراكة، ونضجٌ يسبق الاختيار. فمن أراد علاقةً صحيةً، عليه أن يبحث أولًا عمّن تتقاطع مبادئه معها، قبل أن يطالب بامتيازاتٍ لم يُؤهل لها. والمرأة، قبل أن ترفض القوامة أو تخضع لها، عليها أن تتساءل: هل هذا الرجل أهلٌ لها أصلًا؟. - حين يتحوّل التكليف إلى سلطة لم يكن الدين يومًا في صف الاستبداد، لكنه يُستَغل ليكون ذريعةً له. كما أُرهِقَت رؤوسنا بخطبٍ تصرخ فينا عن عقوق الأبناء للآباء، بينما كان الأولى أن تُبنى الأسر على محبةٍ تحصّنها من العقوق، كذلك استمعنا طويلًا لمن يتحدث عن حقوق الزوج، بينما غُيّب الحديث عن مسؤوليته. الزواج ليس ميدان حرب، ولا ساحة معركةٍ تُمارَس فيها الهيمنة. والقوامة ليست امتيازًا، بل تكليفٌ يليق بمن أدرك معناه، لا بمن يطالب به لمجرد أنه وُلِد ذكرًا.

فمن منح الرجل الحق في التحكم بقرار امرأة، فقط لأنه يحمل صفة “الرجولة” التي لم يجتهد حتى ليكون جديرًا بها؟ وأيّ ميزةٍ يُفترض أن تحمله الذكورة، إن لم يكن صاحبها قادرًا على أن يقوّم نفسه أولًا؟ لطالما رُكِّزَ في الخطاب الديني والمجتمعي على حقوق الرجل، وكأن الزواج عقدُ طاعةٍ من طرفٍ لآخر، في حين أن جوهر العلاقة الزوجية يقوم على المودة والتفاهم. ليست القوامة سلطةً مُطلقة، بل مسؤوليةٌ يُسأل عنها الرجل أمام الله، فهل أدى واجبه قبل أن يطالب بحقه؟ إن من يُصلح نفسه، لن يجد في القوامة تذكرة عبورٍ لفرض سطوته، بل سيعي أنها تمنحه مكانةً لا سُلطة، وتلزمه بالعطاء قبل أن تخوّله للمطالبة. أما من لم يُصلح نفسه، فكل قوامةٍ يدّعيها ليست إلا قشرةً تخفي تحتها ضعفًا يسعى لتعويضه بالتحكم في غيره إن الرجل الحقيقي هو من يدرك أن القوامة ليست إذلالًا، بل رعاية، وأن المرأة ليست نقيضًا له ليُخاصِمها، بل شريكةٌ له ليحميها ويُعزّها. ليست المسألة إذن في إسقاط القوامة أو رفضها، بل في فهمها فهمًا صحيحًا، بحيث تكون تكليفًا مسؤولًا، لا سيفًا مسلّطًا، وعلاقةً قائمةً على الرحمة، لا صراعًا على من يتحكم بمن

المزيد في هذه الفئة : الدوري الليبي في مهب الريح »
 

أكثر قراءة

أعلن معنا هنا

 

أعلن معنا في الليبي اليوم

 

  • المقر بنغازي / ليبيا شارع عبد المنعم رياض/ عمارة الإعلام/ الدور الأول الهيأة العامة للصحافة بنغازي
  • +218.92.758.8678
  • +218.91.285.5429

 

read more