لم أتخيل يوماً أنني سأقطع هذه الطريق الطويلة كل صباح وأن أنهض فجراً على أصوات البوق المفزعة لأرتدي (شورت وغلالة) وأمارس الرياضة الصباحية في شهر يناير في البرد القارس .
الليلة التي سبقت انطلاقي صباحاً إلى الأبيار لم أنم .تزاحمت عليَّ الأفكار ورسمت سيناريوهات عديدة للمقبل المجهول وكلها سيناريوهات سوداء.استيقظت الرابعة صباحاً لأستهل واحدة من أصعب مراحل حياتي .لم أتدرب يوماً على سلاح ولم أدخل معسكراً في حياتي .فتحويل المدارس إلى ثكنات وانطلاق التدريب العسكري داخل المدارس بدأ مع إنهاء مرحلتي الثانوية بمدرسة بنغازي 1979. انطلقت من محل سكناي في عمارات السبخة(الصابري) وسط ظلام دامس وسكون مريع لايقطعه سوى نباح الكلاب الضالة .كان لزاماً عليّ أن أخترق جموع الكلاب .التقطت الأحجار وأخذت أقذف بها الكلاب كيفما اتفق. كلب وحيد أصرّ على مرافقتي توقف عن النباح فألقيت آخر حجر من يدي .بشق الأنفس تجاوزت المسافة من بيتي مروراً بأسوار المعرض قبل أن يتحول إلى مايعرف بسوق العرب .تنفست الصعداء حين بلغت الطريق الرئيسي باتجاه الفندق البلدي وتحديداً (الجنسية) لأستقل الروميس سيارة البيجو 7 راكب الذي وقف أمامها صاحبها ولم يظهر من وجهه سوى عينيه فقد أحكم اللثام درأً لقسوة البرد . ينادي بصوت مختلط ببرودة الجو نفرين الابيار نفرين.كنت أحد النفرين انحشرت داخل السيارة التي سرعان مالتحق بنا سابعنا لتنطلق السيارة إلى معسكر الأبيار.كل من في السيارة هم من جنود المناوبة الشعبية متقاربي الأعمار.
الطريق خالٍ تقريباً من السيارات فالساعة لم تتجاوز الخامسة فجرا.وصلنا إلى منطقة بنينا لتنحرف السيارة يميناً بعيد الجسر لتبدأ المناطق التي لم أسمع عنها من قبل ماعدا منطقة الرجمة حيث موطن أخوالي الفسيات.ماعدا ذلك كنت أترصد أسماء المناطق من بعض المحلات الورش المدارس اللافتات الصدئة التي ينوس ضؤوها من بعيد.