الكاتب : أحمد الحسين التهامي بنغازي في/ الثالث من نوفمبر / 2023 م
في بنغازي انقطعت عنا التغطية منذ السادس من أكتوبر وحتى السابع عشر منه فعدنا بمصادفة سعيدة لنعيش زمانا كنا نعيشه قبلا ما قبل انفجار النت وتمدده فينا وتحوله الى وحش يأكل دقائق يومنا دون أدني رحمة ...!
ومع ذلك انا لم اشعر بهذا الغياب ولم افتقد الشبكة البتة ...! ليس ذلك لعبقرية في ولا ذكاء مني؛ بل لسبب ابسط من العبقرية ومن الذكاء؛ اذ كنت استعد للعودة الى الدراسة قبل الانقطاع بأسبوع؛
لذلك كنت اتعمد اغلاق النت طيلة اليوم حتى الساعة الثانية عشر ليلا؛ حتى اتفرغ لجملة قراءات وابحاث قد تقيدني مع بدء مرحلة دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة؛
وكعادتي دائما زاوجت القراءات المنظمة المجدولة بأخرى أدبية وعشوائية ففي ظني ان ما يميزني ليس ابدا الانتظام والجدولة والتحدد التام بل الفوضى المطلقة؛ اختلاط كل تلك العناصر في شخص واحد؛ رجل واحد هو انا. !!
وقد لاحظت وسمعت من كثيرين انهم قد عانوا مللا شديدا بسبب غياب التغطية وضياع الشبكة؛ بل وصل الامر ببعض المراهقين والشباب صغار السن الى ملاحقة التغطية في بعض مناطق أطراف بنغازي البعيدة؛ اذ أعلمني د. علي حديد أستاذ اللغة والنحو في الثانويات وفي الجامعات؛ انه منذ سيدي علي الى الشرق تصحو التغطية من نومها وتمارس مهامها؛ اما اخي سائق الشاحنة فأبلغني ان التغطية منذ اللويفية تشتغل عشرة على عشرة؛ لذلك ذهب المراهقون الى هناك ليلتقطوها ...!
بينما كنت أعيش في هدوء شديد بالرغم من غيابها؛ بل ربما لم أحس باي فراغ بسبب غيابها عني؛ كل ما في الامر انني فكرت ان أسبوع الغياب هذا يجب ان يوثق بشكل ما انها تجربة فريدة قد لا نعيشها مجددا حتى بعد عقود ...! تجربة شعب يعيش دون تغطية ودون شبكة شعب يعيش كما كان يعيش سابقا؛ الامر المضحك ان بعض الظرفاء قالوا لي لقد اكتشفنا العائلة؛ ووجدنا انها مسلية وليست مملة كما كنا نظن ونتوهم ...!
لقد اكتشفت العائلات افرادها ونصبت الموائد ودبت القرمة في كل مكان كما كانت؛ عادت من الموطن الذي استقرت فيه منذ سنوات وهو الفيس بوك لتسكن منازلنا وشوارعنا فالجيران أيضا اعادوا اكتشاف فضاء الشارع والتقوا يهدرزون ويتسامرون الى ساعات متأخرة من الليل وحتى قرب الفجر ...! دخلت مربوعتي وهي في نفس الوقت مكتبتي ومكتبي الذي اعمل فيه منذ لفظتني الدولة النفطية خارجا؛ فاكتشفت انني كنت عبر سنوات قد راكمت عددا هائلا من الكتب التي اقتنيتها ولم افتحها بعد اذ تحولت لقراءة البي دي اف والتنزيل من الشبكة لسنوات ..!
وتقريبا ثمة عدد هائل اخر مشابه من الأفلام التي جمعتها ولم اتفرج عليها بالرغم من بقائي ممددا على سرير برج الكورونا في الالف وميتين شهرين كاملين وعلى جانبي السرير كتب الدكتور نجيب الحصادي الريبة في قدسية العلم والدكتور محمد حسين محجوب النظرية العلمية ومحمد عابد الجابري مدخل الى فلسفة العلوم وهكذا تحددت ايامي اثناء انقطاع النت ما بين الكتب التي اقرا والأفلام التي اشاهد ورياضة المشي اليومية دائرا جائلا حول الحي متابعا حركة الناس الفرحة واندلاع الفرح في ماقي أطفال السرتي والمحيشي اذ أخيرا منحوا حدائقا بألعابها واضواءها تمتد تنشر القا حولنا ...!
حول حياتنا هنا والان واليوم وغدا يمتد اليوم حتى الغد ثم يمتد الغد فلا ينقطعان بدا الامر شيئا ممتدا جميلا وانا اعرف في نفسي الاعجاب بحالة الامتداد هذه؛ حالة نعيشها معا؛ تمتد ولا تنقطع يوما الثاني فالثالث دون توقف كانت شيئا رائعا لا نهاية لروعته ...! من كل هذا ولدت الرغبة في الكتابة حول الروايات التي قرات والكتابة عن وفي الأفلام التي شاهدت وسأنشرها تباعا هنا الى لقاء