Jul 12, 2025 Last Updated 1:35 PM, Jul 11, 2025

العنوسة : وهمٌ ذكوري وسراب اجتماعي مميز

العنوسة : وهمٌ ذكوري وسراب اجتماعي العنوسة : وهمٌ ذكوري وسراب اجتماعي صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي

بقلم/ غفران جليد

العنوسة: كلمة تحمل بين طياتها مفهومًا نشأ من نظرة مجتمعية ضيقة تتعلق بالمكانة الاجتماعية للمرأة وربطها فقط بالزواج. في مجتمعات تفتقر إلى الفهم العميق لقيمة الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص، انتشر هذا المصطلح، ليس لكونه حقيقة واقعية، بل كأداة ضغط مجتمعية، تجبر المرأة على اتخاذ قرارات قد لا تتماشى مع رغباتها وطموحاتها. وهو بذلك يعكس عقلية تسعى لتقييد المرأة ضمن إطار معين، حتى وإن كان هذا الإطار مخالفًا لقيمها الشخصية أو الفكرية. "العنوسة" ليست إلا مصطلحًا ابتدعه الخوف في قلوب من يعجزون عن مواجهة حقيقة التغير الاجتماعي، مصطلحًا تتناقض جوهريته مع الكرامة الإنسانية، لا ينمّ إلا عن اضطرابٍ عميق في مفاهيم الرجولة الموروثة. في مجتمعات تفتقر إلى الجرأة لتقبل المرأة ككائنٍ مستقل بذاته، يولد هذا اللفظ، ليصبح سلاحًا غير مرئي في مواجهة قوة المرأة وإرادتها. وكأن الرجل الذي يعجز عن تقبل نجاح المرأة يختبئ خلف هذه الكلمة، محاولًا إقناع نفسه بأن الزواج هو مقياس القيمة الذاتية الوحيد. إن أصول هذا المفهوم تكشف عن انعدام إدراك عميق لمعنى الحياة الإنسانية. لا تعكس "العنوسة" فشل المرأة بقدر ما تعكس هشاشة عقلية الرجل الذي لا يتحمل أن يقف أمام امرأة مكتملة بذاتها. هؤلاء الفئة يتوجسون من رؤية امرأة لم تُختزل في الزواج أو في أن تكون تبعًا لتفكيرهم المحدود. بدلًا من مواجهة هذا التحدي بروحٍ من النضج والإدراك، فضلوا أن يختبئوا وراء مصطلحات مثل "العنوسة"، يروجونها كحقيقة مطلقة، بينما هي في الواقع قناعٌ يغطي عجزهم عن قبول الحقيقة. لقد أصبح من الشائع أن تُوصف المرأة التي تجاوزت سن الزواج المتوقع بأنها "عانس"، وهو وصف يحمل في طياته إشارة إلى الفشل أو القصور، وكأن عدم الزواج يُعتبر خسارة أو عيبًا يجب أن تتجنبه المرأة بأي ثمن. لكن إذا ما أمعنا النظر في هذا المفهوم، نجد أن هذه النظرة متحيزة، وتُقصي حقيقة أن المرأة قد تكون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مناسبة لحياتها بشكلٍ أعمق من مجرد القبول بأي عرض زواج فقط لتجنب هذه الوصمة الاجتماعية. المرأة بطبيعتها تملك القدرة على التفكير والتمييز، وهي أدرى بحاجاتها وظروفها. من حقها أن تتأنى في اتخاذ قرار الزواج، فلا يجب أن يُنظر إلى تأخر الزواج على أنه مشكلة أو علامة على الفشل. بل بالعكس، تأخر الزواج قد يكون أحيانًا نتيجة نضج ووعي المرأة بأنها تستحق الشريك المناسب الذي يتوافق مع قيمها وطموحاتها. هي كائن يمتلك حرية اتخاذ القرار وتحديد مسار حياتها بما يتناسب مع قناعاتها ورؤيتها. ليس الزواج سوى اختيارٍ بين اختيارات عديدة، وليس معيارًا يقاس به نجاحها أو فشلها. وليس هذا الوصفُ القبيح للمرأة إلا وهمٌ من صنع مجتمع يخشى من الاعتراف بأن النجاح ليس حكرًا على نموذج واحد، وأن القيم الحقيقية لا تتحدد في علاقة ارتباط، بل في عمق الوجود الإنساني نفسه. وفي ظل هذا التصاعد، يظهر الإسلام بتوازن عميق واعترافٍ صريح بقيمة الإنسان ككل، لا كجزءٍ مرتبط بأي حالة اجتماعية محددة. ، لم نسمع في العصور الأولى للإسلام عن مثل هذه المصطلحات التي تُقلل من قيمة المرأة أو تُقيدها في قوالب معينة. بل إن الإسلام كرم المرأة وأعطاها الحق في اتخاذ قراراتها دون ضغوط يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، في تذكير واضح بأن الكرامة الإنسانية لا تتعلق بأي شرط اجتماعي. وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال" (ابن ماجه)، نجد إشارات واضحة إلى أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست علاقة تبعية أو نقصان، بل علاقة تكامل ومساواة. كما أن فكرة الزواج في الإسلام مبنية على التكافؤ والاختيار الحر، وليست مرتبطة بأي ضغوط مجتمعية. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (متفق عليه). هنا نجد أن الاختيار للزواج ليس مبنيًا على العمر أو الوضع الاجتماعي، بل على قيم وأسس تجعل الزواج قرارًا واعيًا ومناسبًا للطرفين. إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أوسع، نجد أن المصطلحات مثل "العنوسة" تُستخدم لتبرير مواقف اجتماعية تتسم بالخوف من التغيير والتجديد. إن المجتمع الذي يرفض أن يمنح المرأة حرية التفكير واتخاذ القرار بشأن حياتها، هو نفسه الذي يعاني من عدم قدرته على التكيف مع العصر الحديث. ولا ينبغي أن يكون الزواج هو المقياس الوحيد لتقييم المرأة أو اعتبارها ناجحة أو فاشلة. إذن، العنوسة ليست سوى خطاب الهشاشة، صوتُ الخائف الذي لا يجرؤ على مواجهة حقيقة بأن فهمه لدورِ القوامة غلط، ولدور المرأة في ذاتها غلط، فتجده يسلبها جوانب حياتها الخاصة ظنًا منه أن دوره في الرعاية يلخص في الحرمان والتوجيه. إنه خطاب من يدرك في قرارة نفسه أنه جهوي تابعٌ لرأي المجتمع متقيد بالتقاليد دون الرجوع لتعاليم دينه ومنطقية التفكير، فيحاول التقليل من شأن ما لا يستطيع الوصول إليه. الفشل هنا ليس في عدم الزواج، بل في الخضوع لضغوط مجتمع يسعى إلى جعل الزواج هو المعنى الوحيد لقيمة الإنسان مهما كانت النتائج ومن ما كان ذلك الشخص وأيًا كان العمر فيقلبونه من علاقة مقدسة إلى حرب نفسية لا رجوع فيها بالنسبة للمرأة. وفي نهاية المطاف، علينا أن نعيد تقييم هذه المصطلحات التي نرددها دون وعي. هل هي انعكاس لواقع حقيقي؟ أم أنها مجرد سراب اجتماعي يطمس حقيقة أعمق؟ الحقيقة هي أن "العنوسة" لا وجود لها إلا في الأذهان المترهلة، العاجزة عن التكيف مع التغيير. الزواج ليس ضرورة بقدرِ ما هو علاقة تكاملية لا ضرر في غيابها وهنا لا أهاجم مفهوم الزواج بل الدوافع التي تجعل المرأة منا توافق على أي عرض دون مشاورة ذاتها خوفًا من لقب ملعون يلحقها لبقية عمرها أو صغوطاتها الأسرية لتواكب القطيع وتلحق القطار دون النظر في التناسب بين الطرفين، الإنسانُ منا خلق ناقصًا بطبيعته ولا شيء يكمله، بل إن وجوده هو ما يُكمل المجتمع. في ختام هذا التأمل، نجد أن الحرية الحقيقية للمرأة تكمن في قدرتها على تحديد مسارها، سواء اختارت الزواج أم لا. ليس المهم هو ما يتوقعه المجتمع، بل ما يتفق مع كيانها الداخلي وقيمها. إن مصطلح "العنوسة" ليس سوى سيفٍ وهمي، اخترعه الخائفون من قوة المرأة. وعلينا، كمجتمع، أن ندرك أن الحرية لا تُقاس بالزواج أو العزوبية والحالة الاجتماعية، بل بالقدرة على اتخاذ القرارات الذاتية دون قيودٍ مجتمعية أو عقلية. لنفتح الباب أمام النساء ليصبحن ما يردن أن يكنَّ، وليكنَّ أقوى من أي فكرة تُقيدهن. فقط عندها، سنفهم أن "العنوسة" ليست إلا وهمًا في عقل مجتمعٍ خائف من التغير

 

اشترك في نشرتنا الإخبارية

ليصلك كل جديد من أخبار ومقالات وأخر القضايا الساخنة ... ضع بريدك الإلكتروني هنا

أكثر قراءة

أعلن معنا هنا

 

أعلن معنا في الليبي اليوم

 

  • المقر بنغازي / ليبيا شارع عبد المنعم رياض/ عمارة الإعلام/ الدور الأول الهيأة العامة للصحافة بنغازي
  • +218.92.758.8678
  • +218.91.285.5429

 

read more