تقرير/ حنان علي كابو
يظل سؤال الشعر سرا لم ينتهك بعد،يحمل خصوصيته ويوقد جذوته تارة بهيئة كائن، وتارة بشعلة رسول يحمل رسالة الحب والسلام والإنسانية يتنزه ويترفع وكيف لا...؟ وهو كون يحمل عمق العالم بأسره.
"من دونه أنا أعزل تماما“…
يخلص لنا الشاعر جمعة عبدالعليم تجربته مع الشعر الذي ولد معه ، فهو شقيق روحه وقلبه، والكتف الذي يتكيء عليه كلما داهمته فلول من الهموم "الشعر بالنسبة لي كائن ولد معي، هو شقيق الروح، وشقيق القلب، والكتف الذي أتكئ عليه كلّما داهمتني الهموم..“.
وأضاف بالقول " الشعر كان دائماً رفيقي، يشاركني كل شيء، لا أجيد التعبير إلاً به، من دونه أنا أعزل تماما بل هو سليل الروح وترجمانها ودوائها والملجأ الذي تأوي إليه كلّما ضاقت بها السبل"
"لم يترك موطىء قدم إلا وسكنه“…
ترى الشاعرة سهام الدغاري أن الشعر كائن سمائي مجنح خلق ليحلق ولكنه يظل متطلبا لايعرف الأكتفاء "خلق ليُحلق بنا في عوالم لا متناهية غير أنه يظل كائن متطلب لا يعرف الاكتفاء ولكن يبقى هذا الوصف وصفاً مجازياً فقط أما التعريف الأقرب للواقع هو أن الشعر عبارة عن (حالة تنتاب إنسان ما لديه المقدرة على التعبير عنها بفن) فالشعر هو ذلك التمازج اللذيذ بين الإنسان واللغة رغم أنني أحياناً أراه لعنة تظل تلاحق صاحبها حتى الممات“.
"نهاية لانصل إليها أبدا“…
يصف الشاعر الشاب محمد عبدالله الشعر بأنه نهاية لا نصل إليها أبداً. ”الشعر سجن مؤبد.. الشعر رجل لا نعرف نواياه خبيثة أم طيبة.. الشعر دواء للبعض ومرض مزمن للبعض الآخر“.
روح اللغة المنشرحة المنفرجة“…
تؤكد الشاعرة والقاصة هدى الغول إن لم يعد الشعر مادة شعورية مستهلكة تنظم لتشحن الشعارات وتحقن الهتافات إنما خرج من تلكم قواقع إلى ميدان كلها انفتاح وحيوية لا تخضع لقيود تراكمية إنما تخلق نفسها من أبعاد تأملية إبداعية لا علاقة لها بالمكرور..وتضيف "أقرأ الشعر فيفر المجاز من طرف لساني اتلوه فينبثق من شق كناقة صالح.. نقول شعرًا وأراه كيان اللغة، ولو أنَّ الكون أبصر مفاتنه في المرآة لقال شعرًا.... لا أجد في الشعر إلا لغة كونية، ولعله كما أراه روح اللغة المنشرحة المنفرجة، أين ما ذهبت رأينا العمق الجمالي والبعد الإنساني.. ولعلي سليلة تلك الروح وربيبتها"
فتح رائع في الشعر اليوم“…
متصل في مقارباتها الشاعرة نعيمة القطاعني أن مايميزقصيدة النثر هي قصيدة العين وليست قصيدة الاذن وتستطرد معلقة "نحن تجاوزنا مرحلة قصيدة الايقاع او الصورة الشعرية الجميلة التي تجدها في النص.. الشعر ليس ايقاع موسيقي أو بحور أو أوزان. النظرة الحديثة في اعتقادي أن الشعر أرقى من أن يقيد بين عواميد او تفعيلات او جرس موسيقي.. الشعر صورة جميلة تجنح للآفاق الشعرية تأخذك معها إلى البعيد البعيد.. فتح رائع في الشعر اليوم عموما.. “.
"الشعر هو ما يجعل ما نحياه يُعوّل عليه“…
”وأشار الشاعر والروائي يوسف إبراهيم أن الشعر صوت وجدان وخلاصة تجربة، وهو كائن لأنّه صديق صدوق لا يخون ودّ صاحبه، ورسول، وأضاف "عالم آخر لا نتواصل معه بغيره. الشعر في حدّ ذاته ثورة، إذ هو الثورة وهو أداتها، ثورة على قوالب المشاعر الجاهزة وثورة على اللغة الخشبيّة وثورة على الظلام، وثورة على الزوايا بكلّ أشكالها، الشعر يدوّر الزوايا، الشعر هو ما يجعل ما نحياه يُعوّل عليه. الشعر وحده هو من عبّر عنّي، عنّي أنا، أنا العميق، أنا الّذي لا يظهر، أنا المستتر بملامحي وتعابير وجهي، المختفي وراء انفعالاتي، إنّه أنا الحقيقيّ وليس المصطنع، إنّه أنا السافر وليس المقنّع. لقد كان صديقاً هيّناً ليّناً لا يجامل ولا يكذب ولا يتصنّع، إلّا أنّه كان ملولاً سريع الغضب، لا يطيق طول الصحبة، يهرب كلّما سنحت له فرصة، ويختفي فجأة ثمّ لا يعود.
"ليس هنالك ما هو أصلح من الشعر"
وفي نفس السياق أوضح الشاعرالتشكيلي / ناصر المقرحي كونه يتحرك داخل الحياة وفي عمقها القصيحيث يقول " لا شيء ينجو من سهام الشعر ولا شيء بمكنته أن يكون خارجه، وكونه يحلق بجناحي الخيال، ما من مناطق لم يطأها وما من أفاق لم يخوضها وما من مسافات تستعصى عن همته.
والشعر في تصوري هو ذلك الفيض الغامر من المشاعر الذي يسكن الروح ويقبع في أغوارها ومتى ما وجد الفرصة للتجلي انهمر صافياً عذباً كما لو انهُ ينبوع، يتفجر رقراقاً سلسبيلا ليكتسح أسباب الرداءة ويُسهم في تجميل العالم وإنقاذه من البؤس الغارق فيه. "
"كائن يتنفس بوح“…
”ويشخص علاقته بالشعر الشاعر القاص محمد بوعجيلة قائلا "الشعر كائن يتنفس بوح، هذا الكائن إما خالدا، إما ميت منذ ولادته، والشاعر هو من يصنع هذا الكائن بطريقته، إذا الشاعر رسول. أنا لست شاعرا، كل ما أقوم به هو كتابة القصة والسيناريو أحيانا والمقالة غالبا، ولكن بعض المواقف وجدت نفسي أكتب شعرا، وهذا يعني أن الشعر يفرض نفسه بطريقة ما ودون اذن مسبق من الكاتب نفسه، وهذا ما حدث معي حين فقدت أمي، وجدت أن كل النصوص التي أكتبها حول رحيل أمي هي نصوص شعرية ولا تنتمي للقصة بتاتا. أتخيل أن القصيدة هي العدو الأول للشاعر…
"كائن ورسول في ذات الوقت”…
”ترى الشاعرى سعاد يونس إن الشعر كائن ورسول في ذات الوقت،وتضيف " فهو كائن لانه يتملكك، ولا تستطيع فصله عن ذاتك، فيكون هو وطنك، يومك يقحمك به، يهب نفسه لك، ويأخذك على حين غرة، يعزلك احيانا فتشرد معه فى غياب تاركك جسدا وسط ضجيج الموجودين ويعود بك اليهم دونما اي انتباه. القصيدة الحقيقية وجع وعبء تُغيّب صاحبها، تنفرد به، تلم كل ما به من وجع، وتكون. كائنا، لانه يهب نفسه لك، فيقرر ان يأتي، يتحكم في مصطلحاتك، يلملم الفكرة، ويصنع لها قالبا يكون القصيدة…
وكيف لا يكون الشعر كائنا وله كل هذه الروح؟. الشعر رسول لان به من الجمال ما يرخص له النزول في الانفس ولأن به صفة البقاء وكم من عهود تركت لنا اشعارا تحكي ايامها، الشعر رسول لان على عاتقه عبء مصالحة بين اقوام، ويهدي ويظل حسب كينونة القصيدة.. وكيف لا يكون الشعر رسولا وقد ذُكرت بالقران الكريم صفة التابعية به…
"الشعر رحلة تجريب مستمرة !“…
”الشعر كائن لغوي، أو هو بنية لغوية لازمة تكفي بذاتها، يمكن قراءتها منقطعة عن سياقاتها الإجتماعية والنفسية،هكذا يصف الشاعر عبدالحفيظ العابد خلاصته مع الشعر ويضيف" إذ ينبغي للقراءة أن تبدأ من النص وتعود إليه دون إغفال ماحول النص من عتبات، والإستضاءة بما هو خارجي مالم يكن مقحما فيه، أو أسقاطا خارجا عليه.. الشعر ليس رسولا، أي أنه لايقدم خطابا أخلاقيا، لكنه قد يتضمن نبوءة، وينبغي له أن يقدم رؤية…
وتابع معلقا "والشعر رحلة تجريب مستمرة، يطمح الشعر من خلالها إلى إيجاد بدائل فنية، وتغيير بعض سماته النوعية، نشهد هذه الأيام في ليبيا وفي غيرها كتابة قصيدة يومية تتخذ من عين الشاعر كاميرا تلتقط العرضي واليومي في ابتناء نص شعري يوظف بعض تقنيات الصورة السينمائية…
ويختتم مشاركته "لم يتقنع الشعر بوجه عدو، لعله يشارك الروح غموضها، لطالما كان سؤال الشعر عصيا عن الإجابة، من أين توقد جدوته، فكان للشعر عبر التاريخ آلهة وشياطين وصولا إلى الذات الكاتبة، أي أن الذات تعيش حالة انشطار إلى ذاتي..ن أحداهما تكتب للأخرى، أنه مزيج من الوعي واللاوعي، خاصة إذا أخذنا بمقولة البنيوية النفسية و(جاك لاكان) تحديدا الذي يرى أن اللاوعي يتكون من اللغة…
