حنان علي كابو
الشعر لدى الشاعر جمعة عبد العليم رئته الثالثة،زاده روح قلقة لاتهدأ،في نصوصه التي يركلها خارج الذات ويحملها فوق طاقتها لتكون على مستوى تحريك الراكد،وتجسيد حالة من الجمال في مواجهة القبح والجمال والخراب .
نقرأ في سيرته جمعة عبد العليم ،شاعر ليبي ،موظف بجامعة درنة ،صدر له ،إضافة إلى "خفافا في أعين الريح :2022)،"عصيان الكلام وأشياء أخرى (2006)،" نشوة القول "2008)،"عمر آخر "(2008)،"سطوة كاذبة "(2019)،"مد يدك"(2019)"إلتفاتة متأخرة "(2022)
عندما يمل الشاعر من يومياته ينتج قصيدة ،من تدوير اللغة ،لماذا الشعر تحديدا ؟
الشعر بالنسبة لي هو الرئة الثالثة التي أتنفس منها حين يجتاحني فاصل من ضيق التنفس ! ، هو الملاذ الذي ألجأ إليه وهو المهرب ، وهو اختبار الحياة حيث أتأكد حين أفرغ من قصيدة أنني مازلت على قيدها .. أما اللغة فتظل مجدافي الذي أشق به عباب الصمت ، أنما ضربت به خطوت خطوة صوب سلام الروح ..
الشاعر الذي يكون شاهدا على ويلات حرب تعصف بالبلاد ،بنصوص محتشدة بالانكسارات والماتم ،متى يصل عجز الشاعر لعدم الجدوى من الكتابة أو الشعر تحديدا ؟
العجز حالة طبيعية تنتج عن الهوة بين القول وبين الفعل ، بين رهافة الأمنيات وقسوة الواقع ، بين سلام الروح وهذا العالم المحتدم بالصراعات من حولنا ، ورغم أن العجز يجتاحنا أحيانا وينغص علينا حالة الإبداع إلا أنه يظل في ذات الوقت الدافع للأقوى من القول والحافز على المزيد المقاومة.
تحرص بشكل دؤوب ان لاتكرر النص ،مجترحا أفقا جديدا تتشكل في فضاءاته قصيدة جديدة كل يوم .؟مازادك؟
زادي روح قلقلة لا تهدأ ، ليست رهينة لأفكار معينة وليست مغلقة على قاموس محدد ، تصطاد كلمة واحدة من معرض اللغة العامر بالألفاظ والتعابير وتجعلها فخا لمزيد من الكلمات والتراكيب التي تأتي تباعا يؤازر بعضها بعضا ويبني بعضها فوق بعض حتى ينتج عن هذا التراكم التلقائي نصا أركله فورا خارج الذات ، أدفعه صوب الآخر دون أن أطرزه أو أجمله ، بل أحيانا أنشره بأخطائه وأنتظر تصويبه من متلقييه! أشعر بأنه حمل ثقيل يجثم فوق صدري ولا أرتاح حتى أدفعه خارجا.
هل كتابة الشعر هروب ؟مما يهرب الشاعر جمعة عبد العليم ؟
أهرب من القسوة ، من الجهل ، من الحرب، من محاكمة النوايا ، من التضييق على الأفكار والعواطف وإقحام الايديولوجيا في كل شيء ، أهرب من التخوين والتكفير والمصادرة.. أهرب من التعقيد والتسطيح، من الغلو والإسفاف ، من التصنع والتباهي، من محاربة الجمال والرضا واجتراح السفاسف.
عندما تنكسر الروح ،تلوذ بالشعر هل هذا ماتتشبث به قصائد جمعة عبد العليم ؟
نعم .. القصائد ملاذي ، وأعتقد أنني صرت أيضا ملاذا لقصائدي .. لا خط فاصل بين قصائدي وحياتي أنا وهي صنوان نسقى من معاناة واحدة .. _
متى يقع الشعر فريسة مساحات من الخذلان ؟
اللعبة تكمن في الرهان على القصيدة لتكون في مستوى تحريك الراكد ، تغيير الراهن ، تجسيد حالة من الجمال في مواجهة الخراب والقبح والكراهية .. إعلان حالة من العصيان المقدس في مواجهة هذا الإذعان المريب .. أحمل قصيدتي أحيانا فوق طاقتها ، لا أريدها مجرد ضعيفة مستكينة، أريدها في مستوى الفعل وعلى قدر الطموح الذي أسعى إليه في أن يتغير العالم إلى الأفضل ! _
أريد ان اقول بلا حواجز
وامتطي لحظة الشعر كما يحلو لي
متى يقبض الشاعر على جمر القصيدة بأصابع من صمت ؟
القبض على القصيدة غواية الشاعر ورسالته، هواجسه وممارساته التي لا تتوقف،القبض على القصيدة نهم الشاعر وإدمانه وأمنيته المقدسة .. القصيدة تظل دائما حاضرة حتى في لحظة الصمت تنتظر نسمة ساحرة لتمخر غمار التكون، قد تبطيء هذه النسمة لكنها لا تغيب أبدا بينما مازال الشاعر يرفع شراعه وينتظر.
غياب حركة النقد أمام الاصدارات الكثيرة ،ماذا تقول ؟
لا أهتم كثيرا بالنقد أرى أن قصائدي مداولات شخصية تهمني وحدي بالدرجة الأولى، أستمتع بكتابتها، بإلقائها ، بقراءتها ! أحيانا أقرأ قصيدة لي بعد مدة طويلة من كتابتها وأستمتع بها وأقول هذا يكفي .. ليس لدينا مختصين كثر في النقد الأدبي وجل النقاد الهواة يعملون للأسف الشديد ضمن إطار جهوي وشللي .. وكأن معرفة المبدع شخصيا شرط لتناول إبداعه.
متى تكون الالتفاتات متأخرة ؟
الالتفاتة المتأخرة هي اللحظة التي تنظر فيها إلى الخلف لتنظر طول المسافة التي قطعتها والأثر الذي تركته ، وتتسأل هل لا زال أمامك متسع من الخطى ، وهل ثمة جدوى في استئناف ما تعودت عليه ؟ ومن ثمة تجب نفسك ، سأواصل المسير من أجل الحق والحب والسلام والجمال ، ومن أجل ذاتي، هذه الذات التي لا تهدأ أبدا إلا وهي في خضم السير في حقول القصائد ..