حنان علي كابو
يتلمس الشاعر طريقه في درب الشعر بذائقة تغدو متجلية بعمق التجارب ،بصخب الصمت، بأغنية حفرت عميقا اخدودا يعرج إلي سماء سابعة، بجملة تهز لها الروح والمكان، تسمع جلبتها الجبال وأبعد نقطة من ضجيج البشر .
في لمسة تثير الحياة بإحيائها وتنثر ضحكات ترمم الروح وتعيد توثيق اللحظة ،بقراءات متأنية ،بكل ما يمضر ويترك توقيعه في الأثر .
في بنغازي مدينة الحرب والرهانات والصخب، بمعرضها الدولي الأولى كان للشعر احتفاء خاص للشعراء باختلاف مدارسهم ومذاهبهم ،وكانت صحيفة الليبي اليوم ترسم تذكارا في الذاكرة .
فمن يمنح الشعر ذائقته وهو في قبضة الكتاب ....؟!
فجاءة قدرية ...!
تتساءل في مطلع مشاركتها الشاعرة الإذاعية عفاف عبدالمحسن قائلة "ربما لم يفكر أحدنا لمن ننظم الشعر المستحلب من رحم الكلام والمشاعر، قصيدة.. فالشعر كالحب .. لا نتخير لحظة الحب هو فجاءة قدرية نختار لحظة الحب .. وكذا الشعر قدر المعاني المختلطة مع كم من مشاعر ثم موقف يهز أركان الروح أو كلمة تمر فلا تعبر بل تضمد .. تجرح .. تحرك بركانا نائما في النفس الأمارة أو اللوامة .. تفجر طاقة التفكير ليأتي التنميق بلحظة .. بصدفة .. في طريق عام يضج بعشوائية حركة الناس وأصواتهم والأشياء أو في هدأة الليل بلا تبرير ولا موعد فتكون القصيدة الأجمل والأصدق والأعذب"
وتضيف " فذائقة الشعر تلذذ بسر الشغف حيال العيش كما اتفق حلوا ومرا مع كل متضادين .. ربما من سر الحياة .. عبث البشر .. مباعث الإنسانيات فينا .. وأعود كما كتبت مرة فأكرر فجأة الشعر و وفجأة الحب سيان كميقات الولادة" .
تلمس مواطن الجمال ...
الشاعرة مروة آدم ترى أن لكل إنسان ذائقة.. بعض الناس لا تتلمس ذائقتهم إلا مواطن الجمال.. سواء أكان ذلك ناشئا عن تربية لا تتلمّس إلا الجمال، أو أنه كان ناشئا عن دُربة من خلال قراءاته ومطالعاته، وتضيف " ومنهم من كانت ذائقته ناشئة عن الاثنين تربية ودربة ومران.. الشاعر قبل أن يكون شاعرا هو إنسان وله ذائقة.. وفي نظري لا يكون الشاعر شاعرا حتى يكون قادرا على تلمس مواطن الجمال؛ لأنه القارئ الأول لقصيدته قبل أن تنشأ.. كيف يرى الأشياء من حوله.. كيف يتذوقها.. كيف يحاول، رغم بؤس المشهد، أن يخلق لنا صورة جمالية حتى وإن كانت قاتمة.. هذا لا ينشأ إلا من شخص قادر على تذوق الجمال حتى في المواطن الموحشة
وتستأنف ".. أما كيف تنشأ ذائقة الشاعر فهي موهبة في الأساس.. موهبة تعطيه نظرة مختلفة للمواقف والمشاهد من حوله.. موهبة على فرز العوالم الموازية للعالم الذي يشاهده ويعايشه.. ثم إن هذه الموهبة قابلة للتطويع والتربية والدربة والمران.. بالقراءات والمطالعات، وبالاختلاط والاندماج ومعايشة التجارب الإنسانية.. كل هذه وغيرها عوامل تساهم في نشأة الذائقة لدى الشاعر وتطويعها لخدمة نصوصه.."
نكهة الشعر الملغمة ...!
من منطلق تجربتها الشعرية تعتقد الشاعرة نورهان عبدالحق أن الأيام والشوارع والأزقة وأحاديث الجارات كلها تصورات شعرية تذوقت منها الشعر، قائلة " أنّني لم أكتب الشعر دون أن أنجرف مع الأيام وأن للصمت حكاية شعرية أخرى لا يفهمها أحد ، وأنّ اللقاءات التي لا نجد لها الكثير من المبررات تعطينا الكثير من الشعر والحرب أيضا نكهة الشعر الملغمة ، ذائقة الشاعر الشوارع المدمرة والبنايات المتهالكة والحدائق التي لم يتبقى منها إلا السراب ."