حنان علي كابو
ينسج الكاتب قصته ،يجنح لخياله معتمدا على حبكة سرده ،وتقنيات بناءه وتمكنه من أدواته جيدا ،يكون شخصياته ويسمح لأبطاله للتحليق في جنبات الحبكة، يصعد عاليا صوب الخيال صوب الفكرة ،ينهمر ويتدافع كل شيء كالبرق تماما عاصف هادر دون توقف.
الكتابة لعبته المسلية ،والمفضلة أيضا ،حياته الثانية ،مسرحه حيث يحرك كل شيء باقتدار ومتعة .
في تقريري هذا كان وجهة لجادة الكتابة لجدواها ،حد الوفاء لها ،لأبطال نسجوا وتركوا في مواجهة الموت بلحظة مفصلية ....
تفاصيل غائبة وأخرى مغيبة !!!
تشير الكاتبة والقاصة هدى القرفني إن الكتابة وجود ،استمرار ،تواصل ،متعة هي حياة ثانية .
وتؤكد صاحبة "حكاية مشط وذاكرة زرقاء ،إن الكاتب وفي لأفكاره وخياله و موهبته ، لتفاصيل غائبة وأخرى مغيبة ،للدهشة والفرص ،للقيم ،للجمال ،للحزن ، للحياة بكل ما فيها من تناقض، وتضيف " أشعر بهذا الوفاء عندما يخبرك الكثيرون أنهم وجودوا أنفسهم بين السطور والكلمات ،يطالبون بالمزيد وينتظرون القادم .
وعند سؤالي عن خوضها تجربة مع ابطالها وشعرت إن من الخيانة التخلص منهم وإنهاء دورهم أجابت :لم أشعر بأني خنت أبطالي عندما كتبتهم أو تخليت عنهم في الحالتين عشت معهم ومع معاناتهم ،أراهم منغلقين على أنفسهم لا يستطيعون مواجهة خوفهم أو حزنهم أو ترددهم ،وضعتهم امام التأويل والتفسير بصورة مختلفة فكانت المواساة بالكتابة عنهم والتعاطف معهم .
وفاء للقطيعة ...
ومن جهته يرى الروائي والشاعر يوسف إبراهيم إن لا جدوى من الكتابة إلّا أنّها تسلية الكاتب ومتعته، بل ولعبته الّتي يلهو بها كطفل إلى أن يملّ. إن جدوى الكتابة في غياب القراءة مثل جدوى الصراخ في أذن ميّت.
ويضيف صاحب "مرايش في الزمن الغابر "و"الغرقى "الكتابة وفاء للقطيعة. الكتابة لا تعترف بقيدِ ماضٍ أو قرابةٍ أو مكان. الكتابة نتاج ثقافة كوّنت وعياً وأنتجت موقفاً، والوعي قد ينير بصيرة الكاتب فيكتشف زيف ماضٍ أو هشاشة انتماء"،" الموقف الّذي يتّخذه الكاتب بناء على ذلك قد لا يكون بالضرورة في صالح ما قد نسمّيه وفاءً.
يتحسّس الروائي وفاءً ويستشعر إخلاصاً عندما يجد نفسه يشرع في رواية جديدة لشخصيّات رواية قديمة، وعندما يفي بالتزامه الأدبيّ غير المعلن تجاه قارئه بأن يلتزم بالقطيعة مع كلّ ما انكشف له زيفه وتعرّى أمامه زُورُه.
لم أشعر يوماً تجاه شخصيّات رواياتي بأنّهم من رعيّتي وأنّي متسلّط على وجودهم وعدمهم، فبعض هذه الشخصيّات رسمتُ ملامحها العامّة وخطّطتُ لها دورها في الحبكة في مرحلة ما قبل الكتابة، لكنّها تمرّدت على سماتها نوعاً ما، بل وتخطّت دورها كما يفعل ممثّل موهوب في مسرحيّة شعبيّة، وهذا مثلاً ما حصل مع شخصيّة العيّاشي في "ماريش في الزمن الغابر"، وعلى الرغم من أنّه لم يستطع أن يقلب الأحداث أو أن يغيّر في مآلات خطوطها إلّا أنّه تمكّن من مفاجأتي بقدرته على الخروج على النصّ أحياناً وتوسيع دوره في الرواية ككلّ. وشخصيّة أخرى في ذات الرواية هي شخصيّة "سبتيم" الّذي ظهر رغماً عنّي أثناء الكتابة ولم يكن في البال عندما كنتُ منكبّاً بصرامة على هندسة الأحداث وتوزيع الأدوار.
علاقة تبادلية ...
إن الكتابة مثل أي نشاط نمتهنه لأننا نعشقه لا ننتظر منه مردودا. هكذا استهل الروائي محمد الكراتي حديثه معي وأضاف صاحب "العزف على أوتار الوجع ""وماء بين الأصابع " و "جزيرة الأميرات "أظن أن الوفاء له أشكال متعددة منها الكتابة.. نشاط ما يميزه هو تلك العلاقة التبادلية التي تربطنا بمن نكتب لهم ومن نكتب عنهم.. إنها مثل تلك القوى والروحية وقوانين الجذب والطاقة الإيجابية والأرواح المجندة وكل تلك التعبيرات التي كنا نسمع عنها سابقا وباتت تطرق مسامعنا أكثر وأكثر في الآونة الأخيرة.. فالكتابة وفاء لمن لا يملكون شيئا يفون به لمن يحبون إلا أقلامهم..
وفاء للحياة نعم.. أنا أكتب إذن أنا أعيش.. لا يمكن ألا أفي لرئتي بما تحتاجانه من هواء وأنتظر العيش.. لهذا لا يمكن أن نتوقف عن الكتابة وننتظر الحياة..
عوالم أفضل ...
ويتساءل الروائي شكري الميدي أجي الذي صدر له حتى الآن رواية "المكتباتي "والثانية "أسلوب جدي "، هل تنقذ، الكتابة مختطفا من حبسه، لا أظن، هل تشبع الكتابة طفلا جائعا، لن تفعل ذلك عندنا، الكتابة في العموم تبدو فعلا تافها ضمن مجتمع مثل مجتمعنا، لكنها قادرة على توصيل حقائق كبرى عن الفساد والذاكرة، تنجح كثيرا في اثبات خطورتها وإحداث زلازل فكرية، كتاب الشمس مثلاً وخبز محمد النعاس وخيمة البوسيفي، كلها لفتت الانتباه، أما ما جدواها في حياة الروائي، فوائد قليلة، فهي علاج ذاتي وتواصل مع الآخر، واحداث عداوات كما تنفع في خلق صداقات جيدة، ووسيلة ذكية لإيجاد الحبيبات.
ويضيف " إن لابد من بعض الوفاء أثناء الكتابة. " الهدف من انجاز قصة هو امتاع شخص او مجموعة كبيرة من الأشخاص، فلنقل أصدقاء، الشعور بمدى اعجابهم بما تقدم من نصوص، هو الدافع عادة للعمل على المزيد، البحث عن مواضيع مختلفة، تراكيب جديدة، تحسين الأسلوب وابتداع حوارات وعوالم أفضل، الوفاء قد لا يدخل في نسيج العمل الإبداعي بشكل مباشر، لكنه مؤثر جداً
وأردف "كنت في صدد كتابة رواية ضخمة حتى انني جمعت مئات القصص والأحداث وقصاصات الجرائد، ما حدث بعد القصة الثالثة، تورطت في قتل الشخصية الرئيسية. هكذا تم قتل البطل على يد رفاقه. الرواية لم تكتب والشخصية لم تعد حاضرة حتى في ذهني. بدلا منه خلقتً صديقاً للبطل، يبحث عن قصصه بين مذكراته وتاريخه بتتبع مساراته. اذا جعلته يختفي. أثر هذا كثيراً في عملي الكتابي.
متعة التجريب والبحث عن تقنيات جديدة .
تصف الروائية تسنيم طه الكتابة إنها متنفس ووسيلة للاتصال بعالمها الداخلي، تقول "...حتى لا أنسى نفسي طويلًا بين روتين مشاغل الحياة اليومية والمسؤوليات العائلية والالتزامات المهنية؛ وهي لعبة مسلية أجد فيها متعة التجريب، والبحث عن تقنيات جديدة لصناعة الحبكات، وطرق شيقة لنسج القصص وسرد الحكايات.
وتصنف الكتابة إلى نوعان"…... النوع الأول هو الكتابة التوثيقية، المتمثلة في تدوين اليوميات، والتي تكون ارتجالية وبدون مجهود. فعندما أكتب يكون لإسعاد نفسي، من أجل حفظ الذكريات والتأريخ، ولا أهتم كثيرا لأن أقع في غرام ما أكتبه. فقط أخرجه من رأسي وأسجله وكفى
. أما في النوع الثاني، أي الكتابة الإبداعية، المتمثلة في كتابة القصة والرواية والمقال أو الخاطرة، فالأمر مختلف. ولأنني أكتب لكي يقرأ لي الآخرون، ينتابني القلق وتؤرقني التساؤلات: كيف أطرح فكرتي بوضوح وتشويق ومنطقية؟ كيف أجعل القارئ يقع في غرام ما أكتبه؟ وكيف أمسك بتلابيب القارئ ليواصل القراءة حتى النهاية؟ ففي عصرنا سريع الإيقاع هذا، ليس للقراء صبر على قراءة نصوص طويلة. وما أن يكتشف القارئ غياب التشويق في الصفحات الأولى، حتى يفقد شغف القراءة ويرمي بالكتاب جانبًا.
كما تشير روائيتنا والتي صدر لها "خرطوم ؟صنعاء .القاهرة " إن الكتابة وفاء. "وفاءٌ لذواتنا...لفرحنا وألمنا وحزننا. وفاءٌ لأحلامنا...لبراءتنا وإبداعنا وفننا. وفاءٌ لمحيطنا...تاريخينا، حقبتنا وتراثنا. ووفاءٌ لشهوة الخلود فينا. وكروائية، وفائي يتركز على مواصلة التعلم واكتساب معرفة متعمقة في مجال فن كتابة الرواية من إجادة لصناعة الحبكة ودقة رسم الشخصيات، ووضوح الفكرة وبناء الفضاء القصصي، وتجويد اللغة العربية التي أكتب بها. والأهم والأصعب هو إيجاد وسائل ناجعة تزلل عليّ صعاب قواعد النحو العربي.
وتضيف "... لدي علاقة ارتباط غريبة مع "شمس" بطلة رواية صنعاء-القاهرة-الخرطوم". وربما ارتباطي بهذه الشخصية بالذات، من بين عشرات الشخصيات في قصصي القصيرة، هو أنها بطلة روايتي الأولى، وأنني بذلت جهدا كبيرا في تمويهها في مرحلة البناء الأولى قبل السرد، حتى لا تبدو الرواية وكأنها سيرة ذاتية. وفعلًا عندما أنهيت الرواية، التي كانت لا بد وأن تنتهي، وانغمست في كتابة عمل جديد، انتابني شعورٌ مرير بأنني أخذل بطلتي المحببة وأتخلى عنها بإيقاف قصتها عند ذلك الحد. وهذا الشعور لم يكن خيانة بالمعنى الصحيح أكثر مما هو نوع من الحنين الجارف والشوق المقدس، كما نحِنُّ ونشتاق لأناس نحبهم ويحزننا أن نفارقهم. ربما من أجل ذلك، نجحت شخصية "شمس" في أن تتلبسني طوال الوقت وتدفعني لتخيل مصيرها المستقبلي، إلى أن أقنعتني، وكأنها من لحم ودم ذات رأي وكينونة تحركها غريزة البقاء، بأن أجعلها تواصل العيش والحركة داخل عالمي السردي، لتنجح في الظهور مرة أخرى متخفية وراء ظل شخصية ثانوية في روايتي الثانية.