حنان علي كابو
تظل العلاقة الوثيقة بين الكاتب والكتاب مبنية على المعرفة والشغف والتأمل وفك شفرات الحياة وحكمتها .يستظل الكاتب بالكتاب فيمنحه السلام فيلجأ لعزلة من الجمال والطمأنينة .
في هذا التقرير اقتربنا من بعض الكتاب الذين وطدوا علاقتهم بالكتب فنرى ماذا منحتهم واي آفاق فتحت لهم ،وماحصيلة هذه القراءة ...
أجدني خفيفا ...!
رفقة الكتب منحت الشاعر الكاتب والناقد رامز النويصري مدير موقع بلد الطيوب ورئيس تحرير مجلة الفصول الأربعة ،الكثير من الأوقات الممتعة التي وجد نفسه فيها حيث يقول " واكتشفت العالم من حولي، وتعرفت من خلاله على حيوات كثيرة وعوالم ما كنت أصلها بدونه، كما إن الكتاب عرفني إلى الكثير من الشخصيات، وقربني منها! الجلوس إلى الكتاب، فسحة من السلام مع النفس، في ظني إنه يوازي جلسة إلى دكتور نفسي، أو معالج روحاني، وحتى جلسة يوجا، فأنا بعد الخروج من هذه الجلسة أجدني خفيفاً!"
ويضيف : لم يخطئ المتنبي عندما قال: أعز مكان في الدنى سرج سابحٍ / وخير جليس في الزمان كتاب. فالكتاب هو خير جليس، يؤنس الوحدة، ويعطيك أكثر مما يأخذ منك، يستوعبك ويستوعب كل حالاتك، ولا يرفض طلبك عندما تحتاجه.
بدأ شغف القراءة عند النويصري باكرا ،حيث خصص جزء من يومه لهذه المتعة "شغفي بالقراءة بدأ باكراً، منذ المرحلة الابتدائية، فوالدي كان يعود من عمله محملا بالجرائد والمجلات، التي كنت اتصفحها، وأحاول أن أعرف ما تحتويه، حتى احضري أبي مجلة الأمل. كما أتاحت لي حصة المكتبة خلال دراستي الابتدائية الفرصة للتعرف إلى قصص الأطفال والكتاب، وكنت محظوظاً المكتبة كانت جزء من عملية التعليم حتى المرحلة الثانوية. منذ تلك المرحلة وأنا أخصص جزء من يومي للقراءة، وأحاول ما استطعت الحفاظ على هذه الجلسة ما استطعت. الآن ومع انتشار الكتب الإلكترونية، صارت الأمور أسهل، في الحصول على الكثير من الكتب لقراءتها، خاصة في وجود أجهزة العرض الحديثة، من حواسيب مكتبية ومحمولة ولوحية، إضافة إلى الهواتف. وبالمناسبة في الوقت الذي يغتاظ فيه الكثير نتيجة انقطاع الكهرباء، أكون سعيداً حيث تمنحني ساعات انقطاع الكهرباء الفرصة للقراءة على جهازي اللوحي. القراءة فتحت لي الكثير من الآفاق، ووسعت مداركي، فقد جعلتني أكثر انفتاحا على الأفكار المختلفة، وتقبل الآراء المغايرة، لأدرك إن الجمال في التنوع. كما رفعت القراءة حصيلتي المعرفية واللغوية، وهو ما أفادني كثيرا في كتاباتي. وأثر القراءة أراه واضحا في مناحي مختلفة في حياتي، من الأسرة للشارع إلى العمل. "
يصف النويصري علاقته بالقراءة بأنها رحلة ممتعة وجميلة". في العادة لا أحدد وقتاً للقراءة، احدد فقط الكتب التي سأقرأها، أو ما أحتاج قراءته. وأنا لا أتبع أي طريقة للقراءة، وغير مقتنع بما يسمى القراءة السريعة، فطريقة قراءتي لم تتغير مذ قرأت أول كتاب، المهم لتطوير عادة القراءة المداومة على القراءة، وتخصيص وقت ومكان لها، ومع الوقت مراقبة عدد الصفحات في الساعة -على سبيل المثال-، والتسريع في وتيرة القراءة للوصول إلى معدل قراءة جيد لا يضيع معه الفهم. وهذا يعتمد على نوع الكتاب. وبالممارسة سيكون القارئ قادرا على معرفة كم يستغرق الكتاب من جلسة للانتهاء منه.
في مكتبة النويصري الزاخرة بحوالي 3000 كتاب قرأها جميعا هذا إضافة إلى ما يقربها كتب إلكترونية، يختتم مشاركته قائلا " كانت فترة أحداث 2011 فرصة لقراءة الكثير منها. "
منحتني الإكتفاء ...!
تدفع الكتب ميسون صالح الكاتبة والشاعرة لطرح الأسئلة والتي تحيلها للبحث عنها اكثر فأكثر ،وتصف قارئتنا النهمة هذه العلاقة الشائكة قائلة "هناك خليط من الأشياء الملموسة وغير الملموسة استطيع تخيل جز منها , جعلتني اكثر انفتاحا على الطبيعة البشرية , اكثر تسامحا من جه واكثر تشبثا بمبدأي او فلسفتي الخاصة من جهة أخرى , عززت في احساسي بالوحدة بطريقة ايجابيه بمعنى انها منحتني الاكتفاء , انا ومعي الكتاب أعيش عزلة لذيذة تغنيني عن احتياجاي لتواجد الناس حولي , من يستبدل ان يكون معه آلاف الشخصيات التي لا تثير اي ضجيج الا داخل عقلك بأناس بلحم ودم, اعرف انها مبالغة لكنها تناسبني جدا"
لم تضع ميسون خطة للقراءة الا مؤخرا والتي في الغالب لا تلتزم بها بدقة تقول .. "انا فاشلة جدا في ذلك لان الحب (ومن النظرة الأولى حرفيا ) هو محركي لبداية كتاب ما .. لكن الهدف الذي لا احيد عنه هو تنوع القراءات انا اقرأ في كل شيء وعن كل شيء .. مع تفضيلي لبعض الفروع الا اني اجبر نفسي عن تجربة كل شيء , أحاول ان احول القراءة لنوع من المغامرة والمقامرة أحيانا .. حاليا زادت كتب الفلسفة بسبب تخصصي
فتحت القراءة آفاق ميسون نحو اللانهاية ...انا امامي اللانهاية مباشرة بفضلها . فكلما قرأت كتاب اشعر انني زدت من عدد الكتب التي لم أقرأ بعد.
لا تترك ميسون كتاب شرعت في قراءته حتى تنهيه وتضيف في هذا الصدد " أعتمد على الجو العام ،على ظروفي، واشياء اخرى احيانا لا اترك الكتاب حتى انهيه أحيانا لثلاث أيام أو أسبوع واحيانا لشهر او اكثر خصوصا وان من عادات القراءة عندي انني افتح اكثر من كتاب في المرة الواحدة .. كما اني اقرأ في اي مكان يخطر على بالك ."
علاقة توحدية ...!
آية الوشيش التي كانت تختلس الكتب من شقيقها الأكبر وهي في عمر العاشرة تصف علاقتها بالكتب بأنها توحدية إن صح التعبير تقول :
"ربما أنا شخص شغوف جدا بالقراءة ، الكتب منحتني الكثير حينما يرى الإنسان تجارب الآخرين قادرا أن يمتلك وعاء رأسه بالحكمة ،فقد منحتني آفاق واسعة للقراءة لمعرفة نفسي والآخر والحياة وحتى اكتشاف- ذاتي بطريقة مختلفة عن الطريقة التي يحاول الناس جعلي اكتشفها ،منحتني أصدقاء منحتني علم فصاحة والكثير من الأمان ،وعندما أقرأ اشعر أني في مأمن .
وتضيف "بدأت كسارقة ،بسرقة كتب أخي الأكبر وعندما أكتشف والدي هذا الشيء في عمر العاشرة بدأ يشتري لي كتب خاصة بي .فاكتشفت أني أحب القراءة ،وحينما أقرأ اشبع فضولي جدا فأنا كثيرة الشك والأسئلة تجاه ما يحيط بي .
ربما بدأت وضع خطة بداية دخولي للجامعة التي وفرت لي القراءة والانتداب لنوادري القراء واختلاط بقراء أكبر مني ولديهم تجربة ضليعة للقراءة ،حينها بدأت اجيد اختيار الكتب الجيدة والثقيلة بمعلومات فكرية وحياتية علمية مختلفة .
في عام 2017 بدأت أضع خطة حينما وضعت مدونة "رحالة عبر الكتب " حينما وضعت فيها مراجعاتي منحت لي التميز سواء بعملي أو حياتي أو وضعي كشخص يتعاطى مع الكتب ،ويصبح كاتب بطريقة ما ،كنت امتلك بطريقة او بأخر معلومة لا يمتلكها الأخرين ،وتعطيني افضلية .
تجاوزت الكتب التي قرأتها الشاعرة والقاصة آية 500 كتاب ، منذ أن بدأت من عمر الثانية عشر وحتى التاسعة والعشرين تقول "حقيقة أحاول ان اتجاوز لعبة*2000كتاب قبل عمر الأربعين ولكن تظل أمنيات .فالزمن القياسي بالنسبة لي ذائقتي للكتب أحيانا اكمل كتاب واحيانا اتجاهلها وارجع لها مرة أخرى .
أرى الزمن مهم فهو في كل الأحوال قيمة فما اجمل ان يستفيد المرء في عمره في صناعة بحث أو علم أو قراءة كتاب ،أحاول قدر الإمكان كل ثانية ان لا تذهب هباء.
متعة لانهائية ...!
يرى شكري الميدي آجي القاص القراءة قبل أن تغدو مهرباً ومن ثم تتحول إلى عادة لإيجاد الذات بين صفحات الكتب، كانتْ أنساً ودوماً تتوفر المتعة مع الكتب الجيدة، بواسطتها يمكن العثور ليس فقط على ذكريات منسية، الإثارة تتضح في أن يعيش أحدهم ما عشته وظننته أمراً غير مفهوم، فإذا بك تجد كاتباً عاش قبلك بمئة سنة وقد كتب عنها، هذه متعة لانهائية"
ويشير إن ما تمنحه الروايات والسير الذاتية والقصص شيء قيم للغاية نهيك عن الكتب التي غدت مهمة، يقول " لفهم محيطك الجديد، بعد انتشار المجتمع المدني صار لازماً قراءة كتب التنمية البشرية والكتابات الفلسفية المتعلقة بواقع ما بعد الحداثة، ليس للمتعة ولكن لفهم ما يحدث وما ستجد نفسك وسطه حتى دون أن تعرف، القراءة غدت متوحشة جداً، لا يمكن تفادي تأثيرات السيئة من قراءات الآخرين إلا بتوسيع مجال قراءاتك. " سأضع هنا فترتين، أولاً ألغي فترة تعرفي على متعة الكتب، وقتها كانت تسحرني الصور والكلمات، ذهني كان حدثاً وأقرب لطفل يتعلم كل شيء بمتعة كبيرة، لكن مع بدايتي في كتابة القصص، وجدتني محتاجاً لمعلومات محددة عن شيء واحد، فأثناء كتابتي لقصة "جيرمي الإيطالي" وجدتني قليل المعارف بالحرب العالمية الثانية، رغم قراءتي لكثير من الكتب عنها، لأجل فهمها قضيت أشهر إضافية، أقرأ في الحرب، هالني وقتها أن أمريكا مثلاً لم تشترك في الحرب إلا في سنة 1944 وهو تفصيل ساعدني في قصتي كثيراً. هكذا وجدتني أقرأ كل مرة لغرض دعم قصصي، لكن مع الوقت بدأت أرى جوانب أخرى، "
ويؤكد أنه مؤخراً يقرأ ليتقي الخلل الاجتماعي الذي نعيشه بسبب سوء استخدام مجتمعات المدنية،" ربما أيضاً لغرض كتابة شيء أراه مهماً نتعرض له كلنا، القراءة غدت سلاحاً للدفاع عن الذات، لكن المرء يستمتع بكل شيء حتى بالأوهام وهي حتماً تمنحه رؤى مختلفة. كنت أقرأ كتباً ضخمة بشكل أسرع، قرأت وداع للسلاح في يوم واحد، فعلت نفس الشيء مع الجزء الأول من الجريمة والعقاب، وهما كتابان ضخمان من خمسمئة صفحة تقريباً، "
ويختتم مشاركته أن قراءاته تزداد سرعة مع المتعة، "وأقدر أن أصل في حالات العادية لقراءة 60 صفحة في الساعة، وهو وقت جيد، يمنحني فرصة فهم ما أقرأ وأن أجد فرصة لإنهاء كتاب في يومين، أعتبر نفسي ما أزال جيداً في سرعة القراءة رغم قربي من الأربعين، بعض أفضل الروائيين يعتبرون أن أفضل سنوات القراءة هي من 15 حتى 35 لكنني لا زلت أقرأ بشكل متواصل وجيد."