الشعر مزق روحي و نجواي في هذا العالم.
احياناً ألمح دم ينز من قصائدي.
أحياناً تهمس لي قصيدة ما حين أراجعها باسم ما.
تأتي ليلى النيهوم الكاتبة والمترجمة والتشكيلية والفوتوغرافية والشاعرة أيضا إلى الشعر بحزنها الشفيف ،بعزلتها التي تكاد تكون وطنا آخربوحدتها المفرطة في الانشغال تنغمس فيها فترتدي اللغة ،ويعلو نحيب الروح في صدى القصائد .
مؤخرا أعلنت عن مجموعتها الشعرية الأولى الصادرة عن دار الجابر، التي حملت عنوان "بمنعطف من شارع DEWOLF" حول الشعر حضوره، سطوته كان هذا الحوار .
بمنعطف من شارع DeWolf...ما الذي يميز هذه القصيدة لتحمل عنوان تجربتك الشعرية الأولى ؟
تجيب ....العنوان متاهة. غابة مظلمة متشابكة الأشجار مساربها لا تحتمل نملة.،كان للمجموعة عنوان اخر ادرك تماماً بأهميته و دلالته محلياً غير أنه يأخذ معنى آخر غير لائق في دولة شقيقة قد يكون كتابي في معرضها ذات يوم. ترددت فيه و غلب ترددي الأزلي. ذات يوم برز لنا ذئب في شارع "دي وولف" الذي انعطف منه عادة الى شارع "شو "في عودتي للبيت و كان أغلبه بساتين حمضيات شاسعة الامتداد يحلو لي تأمله و يسكن روحي عبير زهره . فكانت المفارقة أن قفز الذئب أمام عربتنا قاطعاً الطريق إلى الجهة الأخرى بكامل هيبته و موفور عنفوانه. ذئب في ديوولف في لحظة التفكير في ڤرجينيا وولف بالذات - كنتُ لتوي قد انهيت قراءة كتاباً حول حياتها الملتبسة - و عصف ذهني كان يلفني و قصيدة تعتمل و نحن نمر ببستان ماندرين! سكنتني تلك اللحظة و كانت تلحُ علي. و خرجت وأنا احاول ايجاد عنوان بديل لمجموعتي الجديدة التي صدرت هذا العام عن دار الجابر - بنغازي تزامناً مع معرض القاهرة للكتاب. هو ليس عنوان لأي من قصائدي و فيما تراءى لي ليس من الضرورة ان يكون كذلك. لربما هَوّم هنا وهناك طي قصيدة DeWolf بين ثناياها لتلتقطه أهميته ومفارقته عنواناً لمجموعتي.
_ بدأت في كتابة الشعر و نشره منذ سنوات طويلة.هل الشعر حالة تلبس أم ...؟
يا حنان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وفي اشتغالي محررة و مترجمة ثقافية بمجلة الثقافة العربية كنت جئت الى عالم حلمت به طويلاً و عشته في مخيلتي . الكتابة الشعر الرسم. الرسم الذي كان قبل الكتابة و هو في يقيني كتابة من نوع آخر. في تلك الأونة بدأت في تنقيح محاولتي لكتابة القصة القصيرة ولكنها أبداً ما كانت ترضيني فقد كنت أكتبها مقتضبة قصيرة جداً وفائضة بلغة تركيبية صعبة و مغرقة في الشعرية. كان الشعر يلبد لي في المنعطفات يلون رؤيتي للعالم و تعاملي معه. اللغة مدخل للشعر وأنا كنت قارئة نهمة أستعذب الكلمات و أتوقف أحياناً للحظات أمام تعبير ممتع في الروايات المترجمة والعربية - لكُتاب و مترجمين أشاوس لغوياً - التي كنت أمضي فيها كل وقتي منذ عرفت -صغيرة جداً- طريقي إلى القراءة. و كنت أعشق تدوير كل ماهو بليغ من الشعر والنثر في ذهني. أنا قارئة ذهنية و بصرية و لست سمعية أو صوتية. إذاً كان الشعر يتسرب ويأخذ بناصية القلم. وكان الشعر يفصح عن وجهه خجولاً بين كبار كانوا من حولي. ولكنني كنت أدرك في قرارة نفسي أن لدي قبسة وأن لدي منهجاً ما فيه. لا يهم نسقه وموسيقاه لا يهم قافيته ولا نثره. هو مزق روحي و نجواي في هذا العالم . فكان ان بدأت النشر في مجلة الفصول الأربعة والبيت و تحايلت على الأمر . اختبأت بمعنى ما. كان على الشعر أن يخرج للوجود و كان عل ليلى ان تراقب من بعيد ولا تكون في الواجهة و لذلك قصة ربما نحكيها في حوار قادم.
كتبت قصائد باللغتين العربية والإنجليزية أيهما الأقرب لليلى وما الخصوصية التي تحملها كلتا اللغتين ؟
اللغة الإنجليزية التي درستها و درست آدابها كانت ذلك الباب السحري الذي أخذني إلى عوالم أخرى . عشت حياتي العملية أدور بين اللغتين و أنقلهما إلى بعضهما بعضا عبر الترجمة. ذهنياً و لاشعورياً كان قاموسي الذاتي يتوسع و يختلج بينهما وكانت ثمة لغة شعرية نثرية تنشأ داخلي. أدركت ذلك فيما أكتبه عندما كنت أعود إليه متأملةً لتنهمر على إدراكي مناحيه و منابعه. كانت قصيدتي باللغة الإنجليزية تخرج قصيرة و في منتهى المعنى على شكل (هايكو ) في قمة جزالته وايماضته من الطبيعة . الهايكو كان أول ملهاتي في اللغة الانجليزية لقربه من ذاتي المحبة للطبيعة والتي لا تمر فيها مرور عابر. و كنت أشارك به وبشكل يومي مكثف في إحدى المجلات الإلكترونية في بدايات الألفية. 2001/2002. ثم أخذ القلم يمد خطاه في أرخبيل اللغة واتسعت عبارة القصيدة منذ أن تم اختياري لأكون أول كاتب من ليبيا يشارك في برنامج الكتّاب العالميين العريق بجامعة آيوا الامريكية عام 2005. كان هذا يحدث بالتوازي مع تنامي شعرية اللغة العربية لدي و توسعي نحو النفس الطويل في نصوصي العربية. أغلب نصوصي القديمة هي الآن بين ضائع و مبعثر هنا و هناك و خامد في مخطوطات داخلة في سبات. وهي قطع تراكبية مني أدور بينها في فلك اللغتين. عشقي للشعرية العربية لا ينافسه إلا عشقي للغة الإنجليزية حين تكون شعراً فلها ذائقة خاصة. لعلني في الإنجليزية والتعبير بها شعرياً أنا أكثر جرأة و توغلاً في بوح الذات. في العربية أنحو جهة الحزن الشفيف و وجع العالم و الاستغراب البليغ والهجاء أيضاً. فذلك موروثنا الشعري العربي الخالص بسبب واقعنا المرير و ما يلف لفه.
تحصلت على الترتيب الثاني في جائزة الشعر بمكتبة مقاطعة فرزنو ،ما الذي تراهن عليه ليلى عندما دفعت بنصوصها للمشاركة وفي كتابة الشعر أيضا ؟
كانت مصادفة و في ذات الوقت ليست مصادفة . ففي داخلي كان النشر حلماً و كان الإقدام عليه يحدث بين الحين والآخر. كل ما في الأمر أن انتباهي الإبداعي مشتت وهذا ربما أضر بي بعض الشيء. ففي ذهني و في وقتي و في انتباهي تتزاحم و تحتك مرافق الرسم مع التصوير الفوتوغرافي مع الشعر مع الترجمة مع فن اللحاف الأمريكي مع فنون نحت الحلويات و البستنة ومع مهام البيت . لذلك حين كنت أحير بينها كنت أترك العنان للحاضر بقوة فكانت سنيني الماضية تتراوح بينها. متروك لها العنان واللجام. في السنوات القليلة الماضية تحررت من بعضها حين استنفدتها. و تقدم للواجهة الرسم والشعر. كما أن القرب من بيئة تشجع على الإبداع في النوعين و اشتراكي في مدرسة فنون تشكيلية شحذهما تماماً و صقل انكبابي عليهما. ولعل لفن الرسم ولفن الشعر خواص مشتركة كون الأول قصيدة بصرية و رؤية لونية للعالم والثاني قصيدة ذهنية و رؤية لغوية بلاغية للعالم. وايضاً بعيداً عن الاجتماعي المحلي الذي يخلط الأمور في الفيسبوك و يجعل منه مختنقا. كان الانستغرام الغربي كوة احترافية أطللت منها فنياً وشعرياً على أوساطهما هناك. و جاء الإعلان عن المسابقة في فروع مكتبات المقاطعة في منتبهي فأرسلت لهم ثلاث قصائد باللغة الانجليزية من مخطوط قديم كان ثمة وعد في عام 2008 لنشره وتم اعتماده و أرسل الى دار نشر ثم ذهبت الأمور هنا وهناك وضاع بين الأيدي و قدره المؤجل . لامست إحدى القصائد التي بعثتها هوى لدى لجنة الحكم . ربما لعدم محليتها. ربما عوالمها. ربما الاسلوب. ربما لغتها المختلفة في تعبيرها . فكان اختيارها للترتيب الثاني . أسعدني الأمر. لأن القصائد عرضت على اللجنة بدون أسماء. والاختيار كان موضوعياً. واللجنة من كبار شعراء و مثقفي المنطقة. إذن في قرارة نفسي سعادتي مبعثها أن نصي ولغتي- وهي لغة ثانية وليست لغة أم - مكتملة مثلما لغة أي شاعر اصيل في لغته بمعنى أو بآخر.
هل يعلم من يرمي الحجر في بحيرة مغبة الدوائر رجفة الضفاف" هل تخيفك مغبة الدوائر أم رجفة الضفاف ؟
قلت هذا في إدراج لي في صفحتي بالفيسبوك وأنا غاضبة و منزعجة من موقف غريب به سُريالية فاقعة وتناقض لافت وغير عقلاني. يحزنني و يعتمني أن يعكر صفوي حجر. و حجر ذي صداقة أقسى الحجارة. و كم كثُرت أحجار هذا الزمان الأعتم. وحين أقول صفوي فأنا بكل معنى الألم ضاع صفوي في العشرية الدموية . و حين ألملمه بالكاد من وسط الوجع فأنا أصدقك القول حين أقول : نعم تخيفني المغبة و الرجفة التي تعتري الضفاف ولا يدركها الرامي ولا أراها الله لكِ و لا للقراء الكرام.
في كتابة الشعر هل ثمة نقطة انطلاق أم مساحة للتجرد ؟
كل ما أدريه أنني قبل زمن الموبايل كنت أحرص على الاحتفاظ بمفكرة وقلم حبر على مقربة من يدي . قلم الحبر حين يكون في وضع مائل يظل يكتب بعكس الجاف- اكتشفت هذا حين كنت أجد نصف الكتابة ضائعة شبة بيضاء في الصباح و كم من ليالٍ مددت يدي وانا بين حلم و علم و دونت إملاءات ذهني. في الصباح كنت أجد صعوبة في فك الاسطر والحروف من بعضها و فهم الطلاسم . يقال إن أجمل القصائد والتعابير تضيع في ريش الوسائد . القصيدة هاجمة ذات طغيان عادة. لست أبداً أجلس وأقول الآن سأكتب قصيدة. هذا لا يحدث معي. تأتيني بغتة. وكلمة بغتة ليست دقيقة و حقيقية تماماً. ما يأتي هو الشكل النهائي لما كان يضطرم في الذهن و يتراكب وينصهر بالتواطؤ مع العين والسمع والحواس كلها. الإنسان ملتقط من طراز أول و مستشعر رهيف. لعلني من الذين ذهنهم منفتح مصغٍ للماحول. فكل ما تناهى في الصغر و في الترداد و في الحركة يلفتني وإن كنت لا أدريه. الشعر هو الحياة بمكتمل لا تناهيها . اليومي بكل استدارته على بعضه. الشعر هو بمصطلح علمي (رسكلة ) تفاعل المرء مع العالم. إعادة تدوير الحياة بشكل استفهامي أو عتابي أو إقبالي أو موغل في الإحجام.
كاتبة ....شاعرة ....تشكيلية ...مصورة فوتوغرافية ...الإبداع الذي لا يؤطر إلى أي مدى فضاءاته تلامس ليلى ؟
هو شتات. كان دائما في داخلي عدة آراء و مقاربات مختلفة حول العالم. رأي موروث أسرياً واجتماعياً و رأي خاص جامح غاضب غير راضٍ تماماً. كنت أنا مثل البندول بينهم. أتأرجح ولا أستقر إلا حين أنفث تبرمي شعراً. في الكتابة تجدين توازن الباحث المدقق ذي المرجعيات .الكلام موزون بميزان ذهب. إلى مراميه تماماً لا لف ولا دوران فيه نحو المعنى. كل فاصلة ونقطة وقف في مكانها المحدد. في الرسم ذاك الهدوء الروحي. ذاك الانغماس و الذوبان في عالم اللون و في الانتباه لحركة الريشة والتكنيك. أصفى اوقاتي حين أرسم. أغيب تماماً و كأنني في فقاعة عازلة للصوت.،هو عالم صامت مثل قاع محيط. عالم صامت منتج. عالم بعيد. التصوير الفوتوغرافي هو انتباهي لهذا العالم ليس كله بل أجمل ما فيه. تستوقفني لحظة شمس على عشب طري. سحابة وحيدة تلكأت عن قطيع سحب و تفردت بالسماء. تلصص على خصوصية زهرة حتى ادق (ماكرو ) فيها. و كل هذا الشتات يصب في بعضه فمن عين الكاميرا اتقنت اللون والظل والضوء على اللوحة و من تأملي الشعري رصُنتْ العبارة واستدقت حتى عمق معناها. الشتات ليس في القيمة و لكن في الوقت اللازم لكل منهم. أقول دائماً لنفسي ليت اليوم أكثر من 24 ساعة. لكنني أمضي بينها وأجد نفسي فيها.
لك مجموعة شعرية باللغة الإنجليزية لم تر النور بعد ...ماذا تخبرينا عنها؟
هي و مخطوطان شعريان عربيان آخران و كتاب شهادات مبدعات : كتاب الأين . و كتاب تأملات حائطي. ولم ير النور منهم الا آخرهم. فقد قررت وأنا أراجعها . أن عليَّ أبدأ عكسياً . ولهذا أصدرت هذا العام مجموعتي الشعرية : بمنعطف من شارع" DeWolf" قبلاً من أخواتها الأكبر سناً . هكذا رأيت و هكذا مضيت مع تناقضات الحياة كما علمتنا . في فوضاي الإبداعية انا اكثر تحرراً من التراتبية. ربما أترك المخطوطات بعدي . ربما هذه القفزة الطارئة للنشر تزول. هكذا تمضي بي مزاجاتي الإبداعية. كما أخبرتكِ قبلاً. هو الشتات القلق الروحي والظروف التي عادة ما تحكمني وتحد من اندفاعاتي وذلك الصفو المتأرجح و سطير الحزن داخلي أيضاً أسباب.
الشعر قيد ام انفلات ؟
الشعر مثل القفز في البحر والعوم بعيداً رغم التنبيهات والمناداة من الشاطئ. الشعر إذعان لنداءٍ داخلي مُحبب لا تمنع معه ولا رفض ولا اتردد. حالة استسلام تام و طفو على سطح الماء والأذنين في الماء لا تسمعان غير وجيب القلب. نحن أيضاً نمضي للشعر مثل طفل لا يدرك خطوته على حافة درج ويخطوها متجرداً من مفهوم المخاطر فلم يوجد بعد.
لماذا تأخرت ليلى طويلا عن الإعلان عن تجربتها الشعرية ؟
الحكاية تطول والسنين طالت. غير أن تجربتي الشعرية على تقطعها كانت معلومة لدى الوسط الثقافي الليبي و العربي إلا قليلاً. و لكنني كنت دقيقة في التعامل مع واقعنا المجتمعي كما تعلمين . كان أبي رحمه الله يقول لي تخلصي من ترددك. أقدمي و كوني في مسار صحيح. كان ابي رحمه الله كونٌ كامل ذو قشرة سميكة يتقي بها العالم. كان تنويرياً و متقدماً على زمانه ذا ذهن صافٍ و مستقرئاً من طراز رفيع للبشر وللزمان و كان أيضاً شاعر غير ممارس للشعر إلا في حدود وريقات صغيرة تلصصتُ عليها وأنا صغيرة في حقيبة عتيقة كان يحتفظ فيها بشذرات قلبه وبمراسلاته مع الصادق النيهوم ابن عمه وصديق طفولته وصباه و جامعته كان يبثان فيها لبعضهما البعض لواعجهما و قراءاتهما للوطن وللحياة. ثم إن واقعيته غلبته و أخذته لمصارعة الحياة وانتزاع العيش الكريم لنا منها. عشت في حماه القوي ولم أصنع قشرتي السميكة ولم أحتج لها. و كان لي اعتبارات أردت الحفاظ عليها او هكذا ظننت بسذاجة الرومانسي النيء. اليوم والعالم تزداد آناه و تتورم وكل لنفسه صحوت لنفسي واكتشفت وحدتي و ضعفي امام عالم خلى من سندي و اردت ان اصنع درعي لأواجه ما يجب مواجهته. ربما ايضاً تخلصت من رومانسيتي الفاقعة وحذري الشديدين وحساسيتي تجاه المجتمع وتعقيداته . ربما الاحساس بأنه لم يعد في الوقت الا قليلاً. لعلها الكورونا اللعينة ايضاً و تهديدها لنا بالزوال الخاطف. لعله لأجل كل ذلك ادخل الآن الجبل بمطرقتي.
كنتِ ضمن المُختارات في كتاب "سليلات العرافة " كيف كان وقع هذه التجربة على روح ليلى؟
و قبلها كانت ايضاً انطولوجيا قصيدة النثر الليبية وقبلها تُرجمت قصائدي الى عدة لغات من قبل مترجمين عالميين و ضُمنت عدة انطولوجيات عالمية. ان تكون ضمن رهطك في كتاب جامع امر جميل و اعتراف بشعريتك وبأهمية ان تُقرأ خارج المحلي رغم اهمية المحلي في نظري . في كتاب سليلات العرافة . و المقصود بها هنا تلك السيبيل الليبية الرائية الميثولوجية التى في العالم الثقافي الغربي تُعرف ليبيا بها مثلما تُعرف بالميدوسا - وهي اثيرتي و رمزي - و كذلك بالأمازونات. وهي رموز ميثيولوجيا مهمة. فهن الواجهة النسائية التاريخية لبلد متخم بالحضارات المتوالية منذ قدم التاريخ و متخم بالنسوة الرموز. النسوة الفاعلات. و لو تنظرين من حولك لوجدت ان النسوة في ليبيا ذوات اثر فاعل طيب محمود سلمي. هذا الكتاب يجري العمل على ترجمته للغة الألمانية . فكم اذن كان اثير جداً اختياري ضمنه من قبل العزيزة الشاعرة الليبية حواء القمودي الدائبة الى اعلاء قيمة الثقافة الليبية ان كانت الرابط في عدة انطولوجيات ليبية بحكم علاقاتها وصداقاتها الثقافية والفضل ايضاً للدكتورة اشراقة حامد الشاعرة والمثقفة السودانية والصديقة لصديقتنا الشاعرة السودانية الراحلة نجاة الياس التى عاشت بيننا و كانت جزء من وسطنا الثقافي.
من الذي يملي على القصيدة لغتها الفكرة ام المفردة ؟
دائماً ما اسأل نفسي هذا السؤال حين اقف على مبعدة ايام من القصيدة انظر اليها والى فكرتها و لغتها واستغربها. و احياناً استهجنها ولا يخلصها مني مُخلص. الشعر امر غامض. نشوء اللغة لدى الكائن البشري اكبر واعمق غموض في الكون. واللغة لدي اشبه بماء عذب من عين ماء نقية في اعلى جبل. به لذعة معدنية و طعم لا يوصف. اللغة والفكرة تمضيان معاً يد بيد. ثمة اشياء مثل الشعر والبصيرة والحدس و التليباثي تدور في اللامدرك. محاولة فهمها غير مجدية. المجدي فقط هو الانسياب معه. الشعر موهبة من العلي القدير وارجو ان نكون به في جادة الصواب و لم نؤذي به احد .
تأثير الغربة وما صاحبه من وحدة وحنين يطل واضحا في ذات الشاعرة ليلى ...ماذا تقول ليلى حول ذلك ؟
و ماهي الغربة؟ قد تكونين غريبة عن نفسكِ التي تعرفين حين يأخذكِ الحزن ويضعك امام مرآة فارغة. قد تدخلين مكان كان ولا ترين انعكاسكِ في عيون من به. الغربة ان تغترب الروح فلا تعرف من كانت. الصمت المريع الذي حل بأمي غربة شنيعة. الغربة حين تودين ان تدخلي رأسكِ في جدار او امام قطار كي لا تسمعي نعي ناعية. الغربة التي اغتربت اليها كانت ارحم مما ذكرتُ اعلاه . كانت تحمي ظهري من نظرات مستنكرة او وشوشات متخلفة لأمشي بإستقامة الواثق المرتاح. الغربة التي احتوتني و حضنتني و طببت على قلبي و واستني بلغة اخرى. الغربة احياناً وطن آخر .
استحضار من غابوا بناصية كلمة وحروف إلكترونية ....بشوق جاثم وحنين لايعرف الا الهطول ...غياب الأحبة وحدته في روح ليلى ؟
لا اراكم الله الغياب. ولا بكيتمُ على (غِيابْ) باللهجة المحلية. احياناً ألمح دم ينز من قصائدي. احياناً تهمس لي قصيدة ما حين اراجعها بأسمِ ما، او يترأي لي وجه في ضباب حروفها من أدمعي. وجهٌ لو رأيته وسط الزحام لعرفته. في قصيدة لمجموعة قادمة اقول:
"كم عدد الطلقات أُماه؟
و انا ارى الكلام حشود على
لسانها المفجوع
وبأي فأس سأقتلع العيون
و كيف سأطوع نفسي على
مضغ الأكباد"
تصوري حجم حزن انبت كل هذا الغلُ والوحشية؟ الحزن انطقني نصوص (بمنعطفٍ من شارع( DeWolf) وكم بكيتُ في ذلك الشارع وانا اعود مهزومة الروح -بعد ان قطعت اميال من الحسبنة - الى بيت ضج من حزني هناك. والي (سكايب) خلى من وجه شقيقٍ قلبه بحجم الكون….