الدكتور/ علي المبروك ابوقرين
الصحة ليست مجرد غياب المرض أو العجز ،وليست حالة سلبية أو ثابتة ، بل هي تطور ديناميكي وواعي للذات بأكملها . وترتبط الصحة والعافية بالنوايا والخيارات ، ولها سبعة أبعاد عقلية وبدنية واجتماعية ومالية وروحية ومهنية وبيئية ، وهذه الأبعاد مترابطة وتؤثر على بعضها البعض..
( ومن يحققها )
وإن الأمراض التي يعانيها معظم الناس في بلادنا بالإمكان تجنبها ، أو السيطرة عليها في بدياتها وتجنب تطورها وتفاقم مضاعفاتها، والدولة لها دورها الأساسي وعليها مسؤولية تعزيز الصحة وتمكين المجتمع من صحته وتحسينها ، واتخاذ كافة التدابير لحماية السكان من جميع الأمراض بشتى أنواعها ، ومسؤولة عن توفير الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والتأهيلية لكل الناس في كل مكان بنفس الإمكانيات والجودة ، بما يحقق العدالة والمساواة والحماية الاجتماعية ، والمحددات الصحية والاجتماعية ، ومسؤولة عن توفير بيئات صحية تولد وتعيش وتنموا وتعمل فيها المجتمعات ، ومسؤولة عن حماية المجتمع من الفقر والبطالة والجوع والجهل المسببات للكثير من الامراض والعكس ، ومسؤولة عن وضع القوانين والتشريعات والأنظمة والسياسات والإستراتيجيات والخطط والبرامج الكفيلة بمنع التلوث البيئي والأنشطة الاقتصادية الضارة ، وحماية البلاد والعباد من تهديدات ومخاطر صحية من مصادر داخلية أو خارجية ، والدولة مسؤولة عن إعتماد وتنفيذ كل السياسات الصحية في جميع القطاعات الحكومية وغيرها ، وتدبير الموازنات العامة للقطاع الصحي ، وبناء النظام الصحي على الأسس والمعايير التي تجعله يحقق المرونة والاستجابة والاستعداد والوصول للتغطية الصحية الشاملة بقدرات وإمكانيات بشرية مؤهلة ومدربة ، وقادرة على القيام بمهامها بمنتهى الحرفية والمهنية وبالمرجعية العلمية المبنية على الأدلة والبراهين والتجربة ، وببنية تحتية متقدمة تقنيا وتكنولوجيا تعكس كل المحددات الصحية في سرعة الوصول والحصول على الخدمات الصحية الآمنة ، ذات الجودة العالية دون مشاق لا في المسافات أو التكلفة أو الأنتظار أو عوائق وعقبات مهما صغرت ، ومطبقة لأحدث الأساليب العلمية والإدارية متماشية ومتزامنة مع جميع التطورات في الخدمات الصحية في العالم ، ومتطورة بتطور العلوم والمعرفة ورغبات المجتمع بكل أطيافه مستفيدي ومقدمي الخدمات ، والدولة مسؤولة عن مجابهة الأخطار والكوارث والازمات الصحية مهما عظمت ..
وبالدساتير والقوانين والالتزامات الأخلاقية الدولة مسؤولة عن علاج كل المرضى في الداخل والخارج وفق أعلى المعايير الصحية عالميًا ، كما إنها مسؤولة عن تطوير قدرات القوى العاملة الصحية ، وزيادة التوعية الصحية المجتمعية ، ومحو الأمية الصحية ، وتحفيز المجتمع والمواطنين على المشاركة الفاعلة في كل ماله علاقة أو ينعكس بشكلٍ مباشر أو غير مباشر على الصحة ، والحالة الصحية للفرد والمجتمع، وعلى المجتمع الدور الأساسي في بناء وتعزيز وتطوير النظم الصحية التي ترتكز بالأساس على الفرد والأسرة والمجتمع ، وأن يلتزم الجميع بتنفيذ السياسات الصحية ، والبرامج التوعوية والوقائية ، والالتزام بتنفيذ الإجراءات والتعليمات المتعلقة بتعزيز الصحة والوقاية من الامراض ، والحرص على الاستيفاء بالبيانات الصحية وتنفيذ التعليمات الطبية التي تعزز صحة الفرد والمجتمع وتتفادي الأمراض ، وتجنب السلوكيات السلبية الضارة بالصحة والبيئة .
ان الصحة هي القاعدة الاساسية لبناء المجتمعات السليمة ، وبناء الاقتصاد الوطني القوي الحقيقي القائم على الفكر والجهد والمعرفة ، والاصحاء أكثر نشاطا وقوة جسديًا وعقليًا وأكثر إنتاجية ، ويتكسبون أجور اعلى ، وانهم اقل عرضة للغياب عن العمل بسبب المرض او مرض أحد من الأسرة ، والعكس صحيح ، أي أن المجتمعات المريضة غير منتجة ولا تستطيع بناء أقتصاد ولا تنمية..
والأمراض تنتشر في المجتمعات الفقيرة والامية والجاهلة ، وذات الاقتصاديات المدمرة للصحة والبيئة ، والتي تتنامى وتتوسع فيها تسليع الخدمات الصحية والتعليمية ، وتنتشر فيها الأدوية والمستلزمات المهربة والمغشوشة والضارة بالصحة والبيئة ، ويزداد رواج تجارة الطب ، والممارسات الطبية الغير مقننة والغير آمنة ، ويتحول المرضى وذويهم لسلع وفق قدراتهم ، وتتغول منظومات النفع والمصالح ، وتتسارع وثيرة تدمير مؤسسات الدولة الصحية ، وتفتيت النظام الصحي ، وتتنصل الدولة من مسؤوليتها ، وتعلوا اصوات الكسب المادي وجني الأرباح من أمراض الناس ، وتغرق الاسواق بالانشطة الاقتصادية الصحية التجارية الربحية ، وتزداد الأمراض والفقر والبطالة وتفقد المجتمعات أغلى ما كان لديها صحتها وعافيتها، وكل ما استمر هدم النظام الصحي وتغولت المنظومات النفعية ، وزاد تحالف المصالح كلما زادت الأمراض شراسة وفتك بالناس ..
وعلى الضفة الأخرى تعلوا أبراج التأمين الطبي ، وتتنافس على المرضى والمجتمع الأسواق الصحية وبازارات العلاج ويلجا السواد الاعظم للمستشفيات الخيرية وجمعيات الاستجداء وتسول الأدوية والمستلزمات من الهيئات الدولية، وكل شئ مباح ومتاح الا الصحة والعافية والكرامة الانسانية ..
الدولة والمجتمع مسؤولين عن تحقيق الصحة والعافية والرفاه بالأبعاد السبعة لكل الأجيال ...