د.علي المبروك ابوقرين
غزة المجاهدة التي تتعرض لحرب إبادة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة ، تدمر المساكن والمساجد والمدارس ودور اللاجئين على رؤوس المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ ، وتستهدف المستشفيات والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف ، وأطقم الطوارئ والإنقاذ والإخلاء الطبي والعاملين الصحيين ، وقطاع غزة محاصر منذ أكثر من 16 عام ، ومن بداية الحرب على غزة تم قطع المياه والكهرباء كليا ، ومنع دخول الأدوية والأغذية والوقود ، والشهداء بالآلاف والجرحى بعشرات الآلاف ، ما يفوق قدرة وطاقة واستيعاب الخدمات الصحية بالقطاع ، الذي بداءت تتناقص معظم الاحتياجات الأساسية من أدوية ومستلزمات ومعدات طبية ، وقوى عاملة منهكة جسديًا ونفسيا ، ويموت الأطباء والمسعفين وذويهم والجرحى ، وما تتعرض له المستشفيات من تهديدات بالاخلاء القسري الذي يعتبر إعدام جماعي للجرحى والمرضى ، وما يعاني منه مرضى الأورام ومرضى الكلى والأمراض المزمنة من نقص في الأدوية والمستلزمات ولازالوا الحمدلله صامدون .. وليس بطاقات التأمين الطبي ولا دكاكين تجارة المرض من تعالج الجرحى في غزة ، إنما مؤسسات حكومية وأهلية وإدارة وعزيمة وطنية ، استطاعت غزة ان تواجه الحرب وهي قدر بالاستعداد والتعلم وحسن الإدارة والتدبير وهذا إختيار .. فإن الدروس والعبر من ما تمر به غزة المكلومة من حرب مدمرة ومدابح ومجازر بشعة وحصار ، وما يقوم به أبطال الصحة والهلال الاحمر والمتطوعين من مجهودات عظيمة لإنقاذ حياة الأبرياء ضحايا العدوان الوحشي الغاشم ، ويولد جيل جديد من جيل شهيد .. فإن الحروب مدمرة ، والكوارث الطبيعية والأزمات الصحية متعددة ، والأوضاع الصحية في بلادنا سيئة ومعدلات متوسط الأعمار للناس في الاتجاه المعاكس ، والقطاع الصحي يقع عليه العبء الأكبر ، والنظام الصحي يحتاج للكثير إن تبقى منه شئ ، بعد ما تفتت ، وإن الاستعداد لمواجهة التحديات والقدرة على التدخل السريع يقلل الأضرار ، ويجنب الكثير من المخاطر ، ويحافظ على حياة الناس ، وحتى لانقف عاجزين ونضطر لاستجداء العون ، من ضرر سيول أو زلازل أو جائحة أو حرب لا قدر الله .. يتطلب إعادة النظر في النظام الصحي ، ورصد الميزانيات اللازمة والكافية والمستمرة للقطاع الصحي بشفافية ومحاسبة وحوكمة ، وحشد القوى العاملة الصحية بأعداد كبيرة ، وتكثيف التدريب والتأهيل لها ، وتنظيم أوضاعها الإدارية والمالية ، والتجهيز الكامل بكل ما يلزم للتعامل الطبي مع الكوارث والازمات والحروب مهما كانت شدتها وطالت مدتها .. وعلى الجهات المسؤولة العمل على زيادة الاستثمار في الصحة والتعليم والتدريب الطبي ، وليس التربح من الصحة والمتاجرة في المرضى وطلبة العلم ، وضرورة توطين المعرفة والعلوم الطبية من مصادرها الحقيقية ، وليس بالاجتهادات التجارية والشيتات والدروس الخصوصية والشهادات الدولارية ، ودعم البحوث والدراسات العلمية الطبية والصحية ، وتوطين الصناعات الطبية والدوائية بما يكفل الاكتفاء الذاتي ، وضرورة سلطة الدولة على الدواء وسلاسل الامداد المغلقة ، وتوطين العلاج بكل إمكانياته المعرفية والتكنولوجية وليس مكاتب تسفير المرضى ، وضرورة مضاعفة القوى العاملة الصحية بما يغطي النقص الحاد في الأعداد والتخصصات ويحقق أعلى المعدلات المطلوبة عالميًا ، وزيادة السعات السريرية عددًا وتخصصات بما يتناسب مع عدد السكان ويحقق أعلى المؤشرات الدولية ، وليبيا في حاجة لضعفين مما لديها من الأطباء الآن وبتأهيل وتدريب عالي ، ولأكثر من ضعفين من التمريض عددا بمستوى تعليم وتدريب معاهد عليا وجامعي وليس اقل من ذلك ، مع ضرورة الدعم الكامل للهيئات والمؤسسات الإنسانية كالهلال الأحمر وتعظيم أدوارهم الإنسانية لما لدورهم الأساسي والفاعل والداعم للقطاع الصحي .. تحية لجميع العاملين الصحيين وللهلال الأحمر الفلسطيني ، ولكل المتطوعين في غزة على ما يقدمونه من مجهودات عظيمة ونموذجًا أنساني للعالم أجمع .. حفظهم الله ونصرهم وشد أزرهم . وحفظ الله أمتنا وبلادنا ..