ما يشهده عالم اليوم من تغّيرات متسارعة على صعيد الجيوبولوتيك واعادة ترتيب توازن القوى الدولية، وما نعيشه من تحديات خطيرة على حياة العديد من الدول في مختلف مستويات الحياة والتي تهدد بطبيعة الحال صميم أمنها ووجودها.
الأمر الذي نلاحظ فيه تكاثف جهود هذه الدول سواء بشكل منفرد أو جماعي، من خلال التحالفات والتكتلات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتشكل وفق المصالح المتنوعة لهذه الدول لضمان الحفاظ على أمنها واستمرار بقاءها وتعزيز وجودها.
ومن هنا وعلى هذه الأرض التي رُسمت حدودها في منتصف القرن الماضي بقرار من عُصبة الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، التي شكلت المنظومة الدولية لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي نسميها اليوم منظمة الأمم المتحدة، بجمعيتها العمومية التي تندرج في عضويتها أغلب دول العالم، وبأجهزتها المتنوعة ومنظماتها المختصة في كل المجالات والممتدة في كل شأن، وبقوتها الضاربة والمتضاربة أحيانا والتي نعرفها جيدا بمجلس الأمن الدولي والذي تقع فيه بلادنا اليوم تحت طائلة سيف قراراته أو عقوباته...
وإذا ما نظرنا بعيدا عن وهم الأهواء، ووفق حقائق الجيوبولوتيك التي ستأخذنا إلى:
-تكتل دول الاتحاد الأوروبي المنتظم اقتصاديا بغطاء ألماني في عملة اليورو والطامح عسكريا برؤية فرنسية لجيش أوروبي موحد عرقلت من امكانية تحقيقها ثالوث الصدمات "البريكست البريطاني وسياسة العصا والجزرة الأميركية وأوراسيا الجديدة بحرب روسيا في أوكرانيا"، لكنها حتما لم تعرقل تدخلاته في أرضنا عن طريق ايطاليا وفرنسا خاصة بل زادتها حدة وتنوعا في المبررات، ابتداءً من ضرورة وحتمية عدم انقطاع تدفق النفط والغاز، مرورا بمشاكل الهجرة المتزايدة من الأفارقة والعرب، وانتهاءً بعدم وجود سلطة مركزية محلية تضمن مصالحه وأمنه ويمكنه التعامل معها على ما يقارب الألفين كيلومتر من الساحل الجنوبي المقابل له في المتوسط والفاصل بينه وبين القارة الافريقية.
- بريطانيا المتحالفة استراتيجيا مع أميركا والتي اتجهت مؤخرا للحفاظ على مصالحها الاقتصادية الخاصة مع الصين للحصول وحدها على تمويل العملاق الصيني بقرار البريكست التاريخي ولو على حساب الوحدة الأوروبية، والتي تستدعي في حاضر تدخلاتها وتحركاتها الحالية التاريخ والمصلحة المستقبلية بأجهزتها ومؤسساتها المالية وشركاتها المتنوعة وحتى مخابراتها الممتدة في كل شؤوننا وعلى مختلف الصعد وفي شتى المجالات، من خلال سياساتها الهادئة بما يضمن لها النفوذ المالي والاقتصادي والسياسي على أرضنا.
- أميركا التي قادت التحول والتغيير السياسي في المنطقة العربية ككل منذ بدايات الألفية الجديدة بما فيه التدخل العسكري المباشر من خلال حلف الناتو الذي أسقط سلطات الدولة في بلادنا سنة 2011 .. اليوم متأزمة ومشغولة بالصين وفي آخر عقودها كقوة عالمية أحادية، تعمل على فك ارتباطها المباشر بمستعمراتها وسحب قواتها شرقا وغربا لاعادة تموضعها تمهيدا لانتقالها إلى وضع عالمي جديد أعلن عنه رئيس روسيا منذ أشهر معدودة... رغم كل هذه المشاكل والأزمات لم تنشغل عن أزمتنا " فتارة توجهنا من ايطاليا وتارة أخرى من فرنسا وعندما تُذهب شيرتها روسيا تُطلق علينا تركيا " .. ومع هذا فهي حاضرة دائما فسفيرها يحكمنا وتديرنا مواطنتها ستيفاني ويليامز التي عينت مندوبة عن البعثة الأممية في بلادنا، تأمرنا ستيفاني فنجري انتخابات وعندما تغير رأيها نتوقف جميعا عن الجَري في الانتخابات!!
- تركيا الساعية لدور دولي أكبر والتي تبحث عن مصالحها الاقتصادية وتستدعي كل ما يمكن توظيفه من دين وتاريخ وشعارات ومشاريع، وكل ما هو ممكن!! في سبيل تحقيق مصالحها خارج حدودها، فوجدت في بلادنا فرصة تاريخية.
- حكومات الخليج التي لا يمكن التغافل عن دورها وتأثيرها، بالرغم من أنه لا تربطنا بحكومات الخليج المتحالفة استراتيجيا مع أميركا والمُهَددة إيرانيا في الصميم والمُطبعة مؤخرا مع دولة الاحتلال اسرائيل، حدود ولا مصالح مُشتركة مُباشِرة، ولا ينقصهم مال أو ثروات ليتجهوا إلينا، فحينما كان هناك مشروع شامل للوحدة العربية تدعمه بلادنا كانوا يمتنعون عن الدخول وعندما حدثت أحداث2011 تدخلوا واتحدوا علينا، لعل ما يبرر تدخلهم وفق تبريراتهم هو وجود تهديد وإن كان غير مباشر سابقا على وجود حكوماتهم وأمنها من سلطات الدولة الليبية وإن كان هذا التبرير مجرد تمرير لتدخلهم في شؤوننا واستغلالهم للتدخل الأميركي والغربي ودعمهم له ضد سلطات الدولة الليبية تماما مثل ما فعلوا ضد العراق، لكنهم تمادوا بشكل مؤذي فدعموا تكوين الميليشيات المسلحة والمؤدلجة ومولوا قياداتها ومولوا تكوين أحزاب وقيادات سياسية تابعة لهم وأسسوا قنوات ومؤسسات اعلامية ليبية كأذرع اعلامية لهم، وعملوا على مختلف التوجهات إلى لبننة ليبيا وأفغنتها، ومازال تدخلهم عميقا في الشأن الليبي ومؤذيًا.
- لا أريد الحديث عن جميع دول الجوار. من باب حق الجار على الجار، والجار جار ولو جار!! وكيف ما قالوا اخوتنا في فلسطين التي لم تعد موجودة: رغيف برغيف ولا يبات جارك جوعان!!
إن دول عالم اليوم متأزمة وتواجه تحديات حقيقية تهدد وجودها وأمنها ولهذا تتكتل وتتحالف وفق مصالحها الوطنية التي تسعى حكوماتها إلى تحقيقها. فأين هي المصلحة الوطنية؟ وأين هي الدولة؟ وأين هي ليبيا؟