إن العُنف الأسري يختلف باختلاف الممارسات والادعاءات التي تُشير إليه وكذلك باختلاف المُختصين الذين يتعاملون مع هذه الظاهرة. كاختصاصيين اجتماعيين يسعون إلى إصلاحها وعلاجها.
وللوقف على ذلك كان لي حديث مع أستاذ مُساعد علم نفس تربوي كُلية الآداب جامعة بنغازي الدكتورة فاطمة مُفتاح الفلاح استهلت الحوار بالحديث عن أنواع العنف الأسري الأكثر انتشارا في وقتنا الحالي قائلة:
أكثر أنواع العنف الأسري انتشارا في وقتنا الحالي هي كثيرة منها المعلن ومنها المخفي، مثل: العنف الجسدي (عنف الآباء ضد الأبناء بحجة التربية)، العنف النفسي من إهمال عاطفي وطلاق وسلب الحقوق في الزواج والدراسة والعمل، التسلط والإجبار، الحرمان الاقتصادي، زواج القصر(الأطفال دون السن القانونية).
ماهي الأسباب الجوهرية لانتشار العنف الأسري في المجتمع الليبي؟ وهل ظاهرة العنف الأسري في المجتمع الليبي قديمة أم حديثة؟
أسباب العنف بشكل عام وفي المجتمع الليبي بشكل خاص: عدم التوعية بأهمية وشروط ومعايير الزواج الصحيح وتكوين الأسرة، ممارسة العنف كحق من حقوق الممارس له وكأمر مقبول ومبرر كالخوف على مصلحة المُعنف عليه، ضعف الوازع الديني، وسوء فهم دور كل فرد في الأسرة في ظل غياب العدالة في النوع الاجتماعي في المجتمعات الذكورية (مثل المجتمع الليبي)، غياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة، وعدم احترام ثقافة الحقوق والواجبات، سوء الاختيار وعدم التناسب بين الزوجين في الجوانب الفكرية والثقافية، بالإضافة للأسباب السابقة هناك أسباب أخرى لانتشار العنف الأسري في ليبيا مثل: الموروث المجتمعي التقليدي وعدم العدالة الاجتماعية بين الذكور والإناث، وممارسة العنف على الأنثى كحق مبرر لحمايتها، والنشأة في بيئة عنيفة، و الظروف الاقتصادية ومستوى المعيشة المتدني نتيجة لما عاشه ويعشه المجتمع الليبي نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، من فقر وبطالة وحرمان من الموارد، وحروب وتهجير، وضعف المرتبات، زاد من وتيرة الاضطرابات والمشاكل والعنف بأنواعه .
هل هناك أسباب كامنة وراء ظاهرة العنف الأسري بأنواعه؟
العنف قديم في أبسط أنواعه، وحديث في أشد أنواعه، فالعنف الأسري سلوك وثقافة مُتجذرة ومُباركة من المجتمع كموروث ثقافي في بعض أنواعه، كونه عنفاً فكرياً سلوكيا، وخاصة في المجتمعات الذكورية، إذ نجد الطفل ينشأ وأبوه يعنّف أمه، والأخ يعنّف أخته ويتحكم بها بحجة الخوف عليها وبتشجيع من الآباء.
وزاد حديثا نتيجةً للعنف المُمارس على المجتمع والذي فرضته الظروف التي نعيشها في الشارع والعمل والمدرسة الذي أصبح مشحوناً بالعدوانية والضغوط الاقتصادية وغلاء المعيشة الذي يعاني منه المجتمع والأسرة.
ما علاقة العنف الأسري بالحالة النفسية التربوية؟ وما علاقتهُ بالانفعالات والاضطرابات النفسية ؟
العلاقة بين العنف والناحية النفسية الانفعالية والاضطرابات النفسية علاقة عكسية، أي كلما كانت الحالة النفسية سيئة كلما زاد العنف والعكس صحيح، فمؤكد كلما تمتع أفراد الأسرة بالصحة النفسية كلما قل العنف الأسري، ويمكن أن تكون الاضطرابات النفسية سببا ًللعنف الأسري أو أثراً من آثاره، وقد يعاني ضحايا العنف الممارس عليهم من إعاقات جسدية ومشاكل صحية وأمراض عقلية، وضائقة مالية وضعف القدرة على إقامة علاقات اجتماعية صحيحة، وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، وقد يعاني أيضا من اضطرابات نفسية شديدة مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية، وتظهر عند الأطفال المعنفين مشاكل نفسية مبكرة مثل: العزلة والخوف والاكتئاب والتنمر على الآخرين؛ فيظهر العنف كرد فعل نتيجة لترسب الأثار النفسية في شخصيتهم .
آخر تساؤلاتي دكتورة هل تدخل الصحة النفسية في علاج العنف الأسري أم لا؟
نعم ممكن الحد من العنف الأسري وعلاجه من خلال الإرشاد الأسري ودعم الصحة النفسية، لأفراد الأسرة، والتوعية الأسرية والمجتمعية، وإقامة الدورات التدريبية وورش العمل التأهيلية للمقبل على الزواج، والتعريف بأسس إقامة الأسرة السليمة والتنشئة الصحيحة ومقومات الصحة النفسية الأسرية ودعمها.