May 15, 2024 Last Updated 7:27 AM, May 15, 2024

الفتيات القاصرات والدور الغائب للعائلة

الكاتبة/ انتصار بوراوي الكاتبة/ انتصار بوراوي

في الفيلم المصري "شفيقة ومتولى " نتابع حكاية فتاة جميلة ممتلئة بالحياة ونابضة بالعواطف والحب ،تعيش فى قرية من قرى الريف المصري وفى يوم من الأيام وقع نظر ابن العمدة الوسيم على شفيقة فشغف بجمالها وأصبح يتودد إليها وهى تتمنع عليه خوفا على نفسها منه، ومن كلام الناس بالقرية وأستطاع الشاب الذى يقوم بدوره الممثل الوسيم حسين فهمى إغواء شفيقة التي وقعت في حبائل إيهامها بالحب ووقع المحظور بينهما في إحدى الأيام، وطلبت شفيقة من الشاب الوفاء بوعده، والزواج بها ولكنه تملص منها ثم أشار عليها بالهرب معه للزواج بها
هربت شفيقة معه لتكتشف بأنه يريد تسليمها ،إلى أحد الرجال الأثرياء ليتقرب منه وينال الحظوة عنده للزواج بابنته، وفعلا يتزوج الشاب من ابنة الثرى ويترك شفيقة بين أيدى الرجال الأغنياء، لتتحول إلى عاهرة وتصل أخبار هروب شفيقة مع الشاب، إلى مسامع أخيها في مكان عمله بالجيش العثماني ،الذى قام بدوره الممثل البارع أحمد زكى، ويعزم أخيها على ترك عمله ويتجه إلى المدينة التي تقطنها شفيقة ،ويقتلها بعدة طعنات في جسدها ويحملها في المشهد النهائي للفيلم بين يديه والدموع تطفر من عينيه.
لن أتحدث هنا عن إتقان سعاد حسنى للدور ،عبر مراحله بداية من دور الفتاة الجميلة البريئة الممتلئة رغبة بالحياة والحب ،ونهاية بمرحلة تحولها إلى روح ميتة داخل جسد يتعاقب عليه الرجال ونظرة القوة، في عينيها وهى تحدق في حقيقتهم الكامنة وراء الملابس الفاخرة، من خلال أغنيتها "بانوا بانو "التي تلخص كل حكايتها ووهم الحب الذى قادها للضياع والوقوع بين براثن الذئاب البشرية ثم موتها طعنا بالسكين على يد أخوها في مشهد مؤثر اختلطت فيه نظرات شفيقة التي استعدت للموت ودموع أخيها وهو يطعنها، ويحملها بين يديه والدموع تطفر من عينيه بحيث يتساءل المشاهد الذى يشاهد هذا المشهد : ترى من القاتل ومن المقتول في هذه اللقطة ؟ القاتل لم يكن الأخ فقط بل المجتمع الذى أطلت نظرات الرضا من عيونه لمشهد طعنات الاخ لأخته.
القاتل هو الرجل الذى أغوى شفيقة التي توهمت بأنه الحبيب الذى سيأخذها للحب والحياة فرماها بين أيادي الذئاب لتنهشها ،و قادها للقتل بين يدى أخيها.
قصة هذا الفيلم التي حدثت وقائعه الحقيقية في اواخر القرن التاسع عشر في مصر هي قصة متكررة ليس في مصر فقط ،بل في مجتمعاتنا العربية وفى مجتمعنا الليبي ورغم أنى كنت أعتقد أن مثل هذه القصص، اندثرت لأن الفتيات بدراستهن وتعليمهن أصبحن أكثر وعى وأدراك ولن يقعن ضحايا لمثل هذا المصير الدامي، ولكن للأسف يبدو أن قصة شفيقة تتكرر في كل العقود، فمنذ فترة قريبة سمعت قصة فتاة من مدينتي شبيهة تماما بقصة ونهاية شفيقة في الفيلم المذكور، فثمة دائما شفيقة ومتولى في المجتمعات العربية ،طالما العائلات العربية لا تقوم بتربية فتياتها على المكاشفة والمصارحة وبناء قيم القوة بداخلهن، وتوعيتهن بأن الرجل ليس الحمل الوديع الذى سيقدم لهن الحب على طبق من ذهب، بل أن ثمة ضباع في الطريق سيأكلن لحمهن ويرمين عظامهن لذئاب الطريق إذا لم يمتلكن الوعى والفهم ويدركن بأن طريق العلم والدراسة والعمل هو من يمنحهن الاستقلالية والنجاح ،وليست العواطف التي يختلط فيها الكذب بكثير من الوهم والخيال.
ستبقى قصة شفيقة تتكرر بين الفتيات العربيات ،طالما لم تتخلص مجتمعاتنا العربية من النظرة للجانب الواحد فقط من القصة ،ورمى كل الخطأ على الفتاة وتحميلها الخطيئة بكاملها و قتلها غسلا للعار، رغم أن الخطيئة مشتركة بينها وبين الرجل ،ومن المفترض أن يعاقب الرجل أساسا لأنه الفاعل الحقيقي والطرف الذى يقوم بأغواء، ضحيته في كثير من القصص وأنا أستمع لقصة الفتاة القاصر، التي يبحث عنها أهلها لقتلها في مدينتي رأيت مصير شفيقة يتجدد مرة أخرى فى الواقع وليس في فيلم سينمائي وسيتجدد هذا المصير دائما طالما لازالت المجتمعات العربية تحمل الفتاة الوزر والخطيئة لوحدها فتنبذ وترمى إلى كلاب الطرقات الذين ينهشون جسدها أو تنتهى مقتولة على يدى أخوتها أو والدها ،فيما يعيش الرجل سالما بدون وزر أو خطيئة في نظر المجتمع ،أو كما يقال فى المثل الليبي "الراجل ما يعيبه شى"،وهو مثل يسوغ للرجل أن يفعل ما يشاء دون أن يحمل وزر او خطيئة بينما تحمل كل الخطايا فوق كاهل المرأة فقط.
نحتاج دائما لإجراء برامج وندوات حوارية لتوعية الفتيات وخصوصا من هن في سن المراهقة والقاصرات ،لأنه العمر الذي تموج فيه العواطف والرغبات وتعمى فيه البصيرة، ويختلط به الوهم بكثير من الخيال لدى الفتيات، فالبرامج التوعوية المكثفة قد تنير عقولهن فلا تتكاثر مثل هذه القصص ذات النهايات المفجعة في المجتمعات العربية.

المزيد في هذه الفئة : ما معنى الحب؟ »
 

أعلن معنا هنا

 

أعلن معنا في الليبي اليوم

 

  • المقر بنغازي / ليبيا شارع عبد المنعم رياض/ عمارة الإعلام/ الدور الأول الهيأة العامة للصحافة بنغازي
  • +218.92.758.8678
  • +218.91.285.5429

 

read more