طباعة هذه الصفحة

قرناص مفتاح : نحن أمهات مجروحات ومتألمات لكن قويات

قرناص وعائشة أمهات شهداء من بنغازي قرناص وعائشة أمهات شهداء من بنغازي قرناص وعائشة أمهات شهداء من بنغازي

يتذكرن ذلك اليوم بكل تفاصيله، بكل ابتسامة وكل كلمة وكل لحظة حزن وخوف ورعشة القلب الذي أحسَّ بالموت قبل وقوعه، وتنسكب الدموع كأنها اللحظة الأولى لخبر الاستشهاد ثم يمسحن دموعهن ويستغفرن الله ويحمدنه على كل ما حصل أنهن أمهات الشهداء بمدينة بنغازي الذين قضوا في حرب الجيش ضد الإرهاب، لملمن شتات أنفسهن، وبدأن يقمن من جديد يشددن أزر بعضهن، ويمنحن لبعضهن القوة والعزيمة لمواصلة الحياة، ومساعدة كل من فقدت معيلها في الحرب، فأنشأن منظمة "صوت أمهات وزوجات شهداء الكرامة الأوفياء"، وحول فكرة تأسيس المنظمة تقول رئيستها السيدة قرناص مفتاح بشير وهي أم لشهيد تم تأسيس المنظمة يوم 6/ 9/ 2020م، و ومن أهدافها رعاية أسر الشهداء، والمطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية.  

تضيف قرناص عن تأسيس المنظمة قائلة: تبلورت فكرة التأسيس في البداية كغرفة واتساب عندما رأيت وعرفت بأن هناك أمهات وزوجات لا يعرفن كيف ينهين إجراءاتهن الإدارية والقانونية أو ليس لديهن خلفية عن تحصيل حقوق ابنها المادية والقانونية والإدارية وأنا كنت ضمن هؤلاء الأمهات فلم تكن لدي دراية كافية بكيفية ضمان حق ابني الشهيد، فقمت بعمل غرفة على الواتساب جمعت فيها أكبر عدد من هؤلاء النسوة كي نتبادل المعلومات ونخفف الألم عن بعضنا، ونتعاون فيما بيننا، من أجل مساعدة المحتاجة ودعمها مادياً على قدر المستطاع ومعنوياً أيضا. نحن متألمات مثلك، ولكن قويات وتقول قرناص أن غرفة الواتساب أصبحت بمثابة البيت الذي جمعهن، حتى نحس ببعضنا ونحل مشاكلنا، ومن خلال المحادثة وجدنا أن بعض الأمهات حزينات لأن لا أحد يتذكرهن بكلمة طيبة أو يتذكر تضحيات أبنائهن، فقمت أنا والعضوات المؤسسات للغرفة بعمل غرفة أخرى خاصة بنا حتى لا نحرج باقي الأمهات عندما نتناقش عن كيفية تقديم المساعدة لهن أو دعمهن معنويا، وقررنا أن نقدم لكل أم لم يتذكرها ويزرها أحد درع شكر وأشياء رمزية من موالح وحلويات قمنا نحن بصنعها، ونذهب لزيارتها في بيتها، كي نرفع من معنوياتها، ونقول لها نحن أيضا أمهات مجروحات ولكن جئنا لنطيب خاطرك، نعم نحن متألمات مثلك، ولكن قويات.

وتستطرد السيدة قرناص عن تأسيس المنظمة فتقول: ذات يوم كنت اتصفح الفيس بوك فوجدت أن دار الرعاية بها شهداء، فقلت لماذا لا نذهب إليهم ونحمل معنا درعاً تكريماً لتضحيات أصدقائهم، الذين كانوا معهم في الدار وهنا نتفاجأ أنه لابد أن يكون لدينا إجراء رسمي حتى ندخل دار الرعاية، كنا كأمهات في غرفة واتساب فكرنا وانطلقنا ولم يخطر في بالنا أنه سيتم منعنا من الدخول إلى الدار، فذهبنا الى أستاذة عند الفايدي بمكتب الشؤون الاجتماعية بنغازي، فقامت بعمل بعض الإجراءات التي سمحت لنا بالدخول، وكان يوماً جميلاً ورفعنا من معنويات الشباب هناك، خاصة وأنه كان بينهم جرحى بسبب الحرب، أصبح عملنا قانونياً ورسميا.

وتضيف السيدة قرناص أنه بعد هذه الزيارة اخبرتنا الأستاذة عند أنه لابد أن يكون لدينا منظمة قانونية حتى نستطيع القيام بمثل هذه الأعمال دون اعتراض أحد أو منعنا من الدخول ومن هنا قمنا بتأسيس المنظمة التي تضم الآن 250 أسرة من أسر الشهداء، وأصبح عملنا قانونياً ورسميا. وتشير السيدة قرناص أن بعضهم أخبرها عند تأسيس المنظمة أن تضع فيها الوكيل فقط، ولكن أنا رفضت ذلك فأسرة الشهيد كلها موجودة الأم والزوجة والأخت والابنة، لأني لا أريد أن أخلق حساسية بين الأطراف والبلاد تحتاج للدعم بعيداً عن المشاكل، وبالتالي من خلال عملنا وجدنا أنه لم يدعمنا رجل أعمال أو جهة حكومية، ولكن نحن نتلقى الدعم من أخت الشهيد التي تساعد بعض المحتاجات في المنظمة، ونجاح المنظمة يرجع لهن مجتمعات. لا نقدم إعانات غذائية ولكن نقوم بعمل دورات تدريبية وعما تقدمه المنظمة للمنتسبات لها.

 تقول قرناص: أم الشهيد أو زوجته هي امرأة ضعيفة ومجروحة وبوجودها في المنظمة أصبحت قوية، وتعتمد على نفسها، فنحن في المنظمة لا نقدم أعانات غذائية ولكن نقوم بعمل دورات تدريبية في مجالات مختلفة حتى تستطيع من خلالها المرأة كسب قوت يومها من عمل يديها، ولابد أن يكون للمرأة في ليبيا بصفة عامة مصدر دخل خاص بها، فقمنا بالعمل مع السيدة سارة الزوي صاحبة سنتر سارة للحلويات وقدمت لنا مجموعة من الدورات مجانية حتى وإن كانت في غير تخصصها ولكن مساعدة منها لنا.

وتؤكد السيدة قرناص بأن زوجات وأمهات الشهداء يحظين باحترام كبير وخاصةً المنتسبات للمنظمة فحين نذهب لمكان الجميع يقف لنا احتراماً ويحرصون على إنهاء إجراءاتنا بكل سهولة وسرعة. إن المحبة تقرّب وتنهي النزاعات.

 وتقول السيدة قرناص في ختام الحوار: أتمنى أنا كأم شهيد وامرأة ليبية أن تكون ليبيا دولة، وأن يكون لدينا رئيس وبرلمان، وأن تتوقف الحروب فيما بيننا، لابد أن نحب بعضنا، نحن كمنظمة أقرب مثال على أن المحبة تقرّب وتنهي النزاعات، لابد أن يكون لدينا حس وطني وأن نبتعد عن كلمة " مبيوعة" لأنها لو تم بيع ليبيا ستباع أنت معها لأنك موجود بها، لابد أن نتخلى عن السلبية ونسعى أن تقام الانتخابات في موعدها وأن نختار رئيساً يخاف الله وقلبه على الشعب الذي طحنته الحروب وأهلكته النزاعات. نخلق مصدر دخل لهؤلاء النسوة.

 من جانبها تقول السيدة عائشة الشويهدي من ضمن المؤسسات للمنظمة: نحن بحاجة إلى الدعم المادي حتى نستطيع توفير مصدر دخل للمنتسبات للمنظمة، نتمنى أن يكون لدينا معمل لصناعة الحلويات أو معمل للخياطة، ونحن لا نطلب أن يكون الدعم في شكل مبلغ مالي ولكن يتم توفير المواد الخام التي ننطلق من خلالها للعمل، فبدلا أن تضع أم الشهيد أو زوجته يدها على خدها بانتظار الصدقة تعمل هي بمفردها، كما أتمنى أن يكون لدينا مقر نجتمع فيه ونتبادل الآراء والخبرات فيما بيننا، بكل صدق نحن بحاجة للدعم المادي حتى نخلق مصدر دخل لهؤلاء النسوة خاصة وأن أغلبهن فقدن المعيل في الحرب.