تعتبر السيادة الوطنية من أولويات أي نظام سياسي، وهدف لكل الشعوب؛ وهي تعبر عن قدرة القوات مسلحة للدولة، على حماية حدودها المعترف بها من أي اختراق كان عسكريا أو مدنيا، أرضا وبحرا وجوا، وقدرتها على فرض احترامها على دول العالم المختلفة، وفق القانون والأعراف الدولية. ولكن هذا القانون يكفل ولا يحمي، فالحق وإن كان ظاهرا فإنه يحتاج لقوة تحميه، ولا أحد يحمي أحد، ولهذا وجب أن تكون هذه القوة نابعة من الدولة ذاتها. والدول تسعى بكل طاقاتها لبناء قوة عسكرية قادرة على تحقيق سيادتها الوطنية، واستقلالية قرارها السياسي.
وتوجد أربعة صنوف رئيسة للقوات المسلحة لأغلب دول العالم، القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، وبعض الدول تدمج الدفاع الجوي مع السلاح الجوي نظرا للعلاقة الوثيقة بينهما.
توصف قوات الدفاع الجوي بأنها سلاح السلم والحرب؛ لأن طبيعة عملها تختلف عن بقية صنوف القوات المسلحة. فهي حصن الأمان لهذه القوات، ففي الوقت الذي تخلد فيه تلك القوات للراحة التامة، فإن قوات الدفاع الجوي لا تعرف الراحة مطلقا، فهي في عمل مستمر لا ينقطع، وهذا ناتج عن طبيعة العدو الذي تتصدى له والمهام التي تنفذها. فاستخدام الطائرة كسلاح في المعركة، حقق عنصر المفاجأة الاستراتيجية والوصول إلى ابعد الأهداف بسرعة، مخترق كل خطوط الجبهة، وكل الحواجز الطبيعية والمدن والتجمعات السكانية، والتي عادة ما تكون عائق كبير أمام تقدم القوات البرية.
ومن البديهيات أن التفوق الجوي صار عامل حسم للنصر في المعركة البرية؛ وتحقيق أهداف القيادة السياسية بسرعة ودقة وبأقل التكاليف؛ ولهذا أولتها القيادات العسكرية اهتماما خاصا ومن أمثلة ذلك يسعى العدو الإسرائيلي منذ نشأته، لتحقيق التفوق الجوي على الجيوش العربية، وما هزيمته لأربعة جيوش عربية في 1967 وتدمير مفاعل العراق النووي في 1981 إلا نتيجة لهذا التفوق، وإهمال العرب الواضح لقوات الدفاع الجوي.
وعبور الجيش المصري خط بارليف في 1973 بنجاح، يعود الفضل فيه لقوات الدفاع الجوي، والتي حمت تجمعات القوات وأمنت عمليات التحشد، ومنعت طائرات العدو من الاشتراك في المعركة، والتي كان دائما يعتمد عليها في كل حروبه.
ونظرا للتكلفة العالية لامتلاك قوة جوية حديثة، لجأت الكثير من دول العالم لامتلاك الطيران المسير، نظرا لرخص ثمنه مقارنة بالطيران التقليدي، وباستخدام هذا السلاح زاد العبء على قوات الدفاع الجوي، والتي من مهامها حماية المراكز الحيوية والاستراتيجية للدولة، كمحطات الطاقة وحقول النفط والمقرات الإدارية والمراكز البحثية وتجمعات القوات والقواعد الجوية والبحرية والمطارات ومنع اختراق الأجواء وعبورها، من كل الأجسام الطائرة.
ومراقبة وتنظيم حركة الطيران المدني في الأجواء والتنسيق بينها وبين حركة الطيران العسكري.
ومن الأمور المهمة التي لا يدركها إلا أهل الاختصاص، وهي إن طيران الاعتراض هو من ضمن مكونات الدفاع الجوي ويتلقى أوامره من قيادة الدفاع الجوي، وهي التي توجهه نحو أهدافه، وتكمن خطورة الطيران المسير في عدة نقاط منها، الأعداد الكبيرة التي يمكن الهجوم بها، لإشغال وحدات الدفاع الجوي وإرهاقها، واستنزاف ذخائرها من الصواريخ، المرتفعة التكلفة مقارنة بالمسيرة التي قد لا يصيبها وكذلك إمكانية استخدامه من قبل الجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة، فهو لا يحتاج ما يحتاجه الطيران التقليدي، من قواعد جوية كبيرة وفنيين وطيارين مؤهلين، ما جعله متاح للجميع.
ومن الطبيعي أنه كلما ظهر سلاح جديد في المعركة يظهر سلاح جديد مضاد له، فكما أن ظهور الدفاع الجوي، كان نتيجة لاستخدام الطيران في الحروب، والذي اثبت فاعليته، فإن استخدام المسيرات كسلاح في المعركة هو في حد ذاته ردة فعل على التقدم الحاصل في منظومات الدفاع الجوي الحديثة سوأ كانت الروسية أو الامريكية، إذ أصبحت هذه المنظومات عائق كبير أمام الطائرات الحديثة عالية التكلفة.
وليس مستبعد أن تعود الجيوش إلى طائرات الحرب العالمية الثانية للتصدي لأسراب المسيرات، لما لها من ميزات وخصائص تمكنها من إسقاط المسيرات بأقل التكاليف، وظهور مسيرات اعتراضية مهمتها تدمير مثيلاتها في الجو. والملاحظ أنه كلما كان للدولة دفاع جوي قوي كلما زادت قدراتها على فرض سيادتها وتحقيق النصر في معاركها، وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية تعمل على امتلاك وتطوير سلاح السلم والحرب.