حنان علي كابو
تأتي التشكيلية والفوتوغرافية سعاد الشويهدي من علو فكرة شاهقة ،تحتدم بأقصى خيال ثائر،تتماهى في تمازج بهيء بين أدواتها وفرشاتها ،هادئة حتى أبعد نقطة ،وضاجة حتى تكتمل مفردات لوحاتها.
ترسو اللوحة في مرفأ ألوانها وخيالها المتعطش ،تذهب بتجربتها العتيدة والفريدة لتوقع خصوصيتها في كل عمل يحتفي به المشهد الفني .
حول تجربتها وخصوصيتها ،وعن تفاصيل لوحاتها تغدق علينا في هذا الحوار ببهاء اجوبتها
سعاد احمد الشويهدي فنانة تشكيلية و مصورة فوتوغرافية خريجة كلية الفنون الجميلة سنة 1991طرابلس .
شاركت فى العديد من المعارض المحلية والدولية ، وورش عمل فى فن الرسم والجرافيك ، ، ترسم باسلوب تعبيرى ومؤخرا تشتغل على المزج فى لوحاتها بين الرسم والتصوير الفوتوغرافى فى محاولة لإيجاد مواد وتقنيات جديدة فى الانتاج الفنى يتجاوز اللوحة التشكيلية التقليدية .
- عضو فى المنظمة الليبية للتصوير الفوتوغرافى .
- عضو مؤسس لجمعية طرابلس للتصوير الفوتوغرافى
المشاركات المحلية : -
معرض المهرجان الفنى و الثقافى – طرابلس - 2002 . - معرض " الآخرة " فى العالم الاسلامى و العالم الغربى – متحف السرايا الحمراء طرابلس – 2002 باشراف المعهد الثقافى الايطالى. - معرض نوافذ 1 ( نساء مبدعات ) دار الفنون - 2002 . - معرض نوافذ 2 ( نساء مبدعات ) - 2001 . - معرض عام فى دار الفنون 2012 . - المعرض العام للفنون التشكيلية – مصراته 2014 . - معرض مهرجان طرابلس للفنون - طرابلس 2015 - معرض جمعية طرابلس للتصوير الفوتوغرافى 2015 . - معرض صور برعاية صالون " فسيفساء الثقافى " طرابلس – 2015 - معرض و ورشة عمل فى كلية الفنون الجميلة – مصراته 2015 المشاركات الخارجية : - معرض الاسبوع الثقافى الليبى – الرياض 2001 - معرض الاسبوع الثقافى الليبى – الجزائر 2003 - السمبوزيوم الدولى للجرافيك – المهدية 2016 - السمبوزيوم الدولى للفنون البصرية فى نسخته الثالثة – الحمامات - 2016 الدولى صفاقس - 2016SAI SFAX - معرض - السمبوزيوم الدولى للفنون البصرية فى نسخته الرابعة – الحمامات – 2017 - ندوة علمية حول " مفهوم الاقتباس فى اللوحة التشكيلية " المهدية – تونس نوفمبر 2018 . - مهرجان المنستير الدولى فى دورته 18 بمدينة المنستير – تونس سبتمبر 2022.
حوارية المعرفة المكتسبة ""
. العمق ماذا يمثل لك ؟
في كل الحضارات نجد أن الأعمال الفنية توفر متعة ، وجمال ، وفكر .
فلو نظرنا إلى العمل الفني على أنه يمثل الجمال فقط .. لا يوجد معيار حق للذوق والجمال ، وحسب اتفاق بعض الفلاسفة انها تظل ذاتية بشكل أساسي .
احياناً يتراجع الجمال كهدف رئيسي ، ويبقى الفكر المحرك الرئيسي للمتعة .
وعادة الفنان الحقيقي لديه أزمة . السطحية لاتقود إلى شيء انما العمق او التعمق يقود إلى المشاهدة المباشرة للذات ..
هو حوارية تعري الأشياء وتسلبها اقنعتها وزينتها ، هذه الحوارية وهذا التعري نتيجة المعرفة المكتسبة لدى الفنان .
هنا العمق قيمة تنتج من كل هذه المعرفة والتي بدوره يسقطها الفنان على امكنة مظلمة مهجورة لا يستطيعها الا شخص مهووس بالبحث والقراءة والتفكر ... هو استفزاز يدخل الفنان جوهر وجودة نفسه .
"هشاشة تبحث عن الأحتواء "
. لماذا تعيش لوحاتك حالة ترقب وخوف ؟
الترقب والخوف جزء من مكوننا ، ترقب الغد والخوف منه .. هذه مشاعر نابعة من المحيط الذي نعيش فيه عندما يكون مشوه وعابث .. فهو يحد من قدرة الفرد على الإنطلاق ويعيق حريته الطبيعية .
في رسمي لحالات الخوف والترقب تتوالد قراءات متعددة منها ان كائنات اللوحة وانا نعيش مشاركة وجدانية واحدة وهي لذة الحلم ، لذة البحث عن الخلاص والنجاة مهما كانت درجات الألم والخوف .
رسمت بعضاً من هذه الحالات تعبيراً عن هشاشة الإنسان وسط محيط يصنعه الأقوياء .. القوة التي اصبحت الان مادية ، قوة مال - قوة سلاح - قوة سلطة .. الوهن الذي يصيب الانسان الذي لايملك كل تلك القوة يعيش في ذات هشة تبحث عن الاحتواء ..
"أسعى الى التجريب "
.بياض اللوحة يستفزك ام يثيرك ؟
بعض الأعمال في بدايتها تجد نفسك تخوض نقاشاً غير مفهوم ، تشعر به ولا تعرفه ، هنا يحدث تشويق فيه تأمل وتأني .. ثم تجري الأحداث بعفوية على وتيرة بطيئة تارةً وسريعة تارةً اخرى في نفس الوقت ، ثم تتدفق وتتعالق المشاعر والمشاهد مع الألوان وبياض السطح ، هنا يصبح الوضع استفزازي بطريقة لذيذة .
اسعى الى التجريب او بمعنى اصح اختبر الأسطح التي تقبل العمل عليها واستمتع جداً بنتائجي حتى الفاشلة منها على تلك الأسطح بعيداً عن الطرق المألوفة والمملة . التجريب الذي اقوم به جوهره وأساسه خيال ثري ، فتتوالد الأفكار والتكوينات وهنا الأمر كله متوقف على الإدراك البصري ، والذائقة الحسية ، ومخزون المفردات عندي .
متعة العمل الفني ""
. ما الذي يحرك فرشاة الشويهدي للألوان ؟
خيالي الذي اسقطه على ألواني ، والمتعة الخاصة التي تجنى في النهاية عمل فني .
للألوان ذاكرة ومرجعية ثقافية ""
أي الالوان تميل لها سعاد وتشعر انها تعبر عنها حقاً ؟
تفسير وتأويل الألوان ودرجاتها عملية انثروبولوجية (تختص بعلم الإنسان) لان تأثيرهم نفسي فيزيولوجي - يدخل تحت الإدراك البصري والنفسي معاً .
تترجم ألوان الكون كله سواء المرئية والغير مرئية منذ الإنفجار العظيم كطاقة وعاطفة وهي أيضاً عنصر ومادة للتأمل والتدبر .
وفي لغة التشكيل كل لون له أداة وخاصية قوية .
هو أيضاً وسيلة اتصال وتعبير بين الفنان وعمله والجمهور المشاهد الذي ينجذب للعمل الذي يغلب عليه لونه المفضل وبالتالي تتسع رقعة التفاعل بين المشاهد والعمل الفني .
ضوء اللون وحرارة اللون وثقل اللون وخفته عناصر مهمة في معنى وقيمة العمل الفني من الناحية الفنية والجمالية وحتى الدرامية .
هذه العناصر تحسم المظهر الجمالي والكلي للوحة وتعطي شكلها النهائي ، وهذا كله تحت تأثير وهيمنة الضوء والظل .
حقيقة انا أحب كل الألوان ولكن توجد ألوان لها تأثير خاص .
للألوان ذاكرة ومرجعية ثقافية - فمثلاً أحب كثيراً لحاف النساء الصحراوي الفاقع بالأحمر ، يمنحهن دلالة للمكان والبيئة.
اللون الأصفر من الواني المفضلة ، باقة من الورد الأصفر تمنحني دفقة هائلة من البهجة والسرور وبقعة على سطح اللوحة تعطي مساحة من الأمل .
كذلك أنا عاشقة للون السماء ولون البحر الازرق بكل درجاته وتقلباته .
وأخيراً يبقى عندي اللون الأبيض والأسود حالة استثنائية جداً لإعتبارات فنية .
الألوان الصاخبة موسيقى تشبه "الروك اند رول"
الألوان الصاخبة هل تهدئ روح الفنان بداخلك ؟
الألوان ليست اختيار شخصي صرف ، احياناً اللون يفرض نفسه كملمس في اللوحة أو مساحة أو مجرد بقعة وفقاً لطبيعة الفنان في حالته الإبداعية ، ووفقاً للموضوع والتكوين أيضاً .
Rock and Roll للألوان الصاخبة موسيقى تشبه موسيقى واغاني "الروك اند رول"
تنتج اهتزازات تنعش الجهاز العصبي ولها عاطفة مثيرة تنشط خلايا الفكر ..
، طغى اللون الأحمر الصاخب كأنه انفعال ثوري ضد الأحداث "Explosion" في لوحتي انفجار
التي عشناها فترة الإنفجارات في ليبيا ، واعطى حيوية وحركة واحتدام بين الموضوع واللون .. ربما سبب نوع من التوتر واقصد اللون لكنه أيضاً له تأثير مهدئ للفنان عندما تخرج هذه الطاقة النارية من جوفه إلى سطح العمل .. هنا اللون اعطى للوحة قيمة وعمق .
في اعمالي الأبيض والأسود ، تجدين الأسود صاخب والأبيض صاخب أيضاً .. الدلالة هنا تاتي من لونين وعمق المعنى لا يتجاوزهما .
في تفكيري الأبيض يخفي كل شيء ، والأسود يأكل كل شيء .
- اي التفاصيل ترهقك ؟
ترهقني كثيراً فكرة العمل الفني الذي يحتاج إلى الحرية في التعبير والإبداع دون وضع قيود .
الفن يعني الحرية ، وفكرة الحرية في الفن مرهقة للفنان المبدع ، دائماً الحياة البشرية مرتبطة بالحرية المتاحة لها فقط .
لكن بالنسبة للفنان التفكير في المجتمع وتقاليده واعرافه ، وايضاً السلطة التي تفرض نفسها على الفن والأدب والكتب ، كل هذه العمليات الفكرية في رأس الفنان هي عمليات قمع قاسية وقيود مؤلمة تجعله يطوق للحرية في مكان آخر ومجتمع مختلف ، ويحلم بأبعاد أخرى يحافظ فيها على قناعاته ومبادئه اتجاه فكره وفنه .
أقول هنا التفاصيل المرهقة في اللوحة هي تفاصيل نابعة من فكر الفنان اتجاه حريته في تقديم ما يريد وما يشاء ، وأن الحرية ميزة يفترض أن يتمتع بها الفنان المعاصر ابن زمنه الحالي المالك لأدواته والذي لم يعد بالإمكان تقييد موهبته أو فرض افكار هي اقل من مستوى ذائقته وتفكيره الناضج والذي بفضلهما بإمكانه ان يخلق اعمال على درجة عالية من الرقي والإدهاش .
. تمزجين بين روح الفوتوغراف والتشكيل .. هل وجدت سعاد اسلوباً خاصاً بها يميزها ؟
تجربتي في مزج الفوتوغراف والتشكيل كان مغامرة بدأتها وأنا على شاطئ البحر وقت الغروب .. تحركات البحارة وهم يجرون مراكبهم للخروج من البحر ، وانعكاس ألوان الغروب في الأفق ، كل شئ كان مدهشاً ، المكان والسماء والأرض والبحارة كانوا يعكسون مشهد سينوغرافي بإمتياز في لوحة حية ، ثم أخذ المشهد رؤيا أخرى .. غموض وريبة تملأ المكان ، فضاء ملون يلعب دور الخلفية في حبكة معقدة تربط بين الخيال والواقع لأشباح بشرية تهيمن على المشهد .
سينوغرافيا كاملة مكتظة بالإلهام والجماليات مقياسها الزمان والمكان والإنسان الشبح .
. هل التفاصيل تجعلك توثقين أشياء أو لحظات دون أخرى ؟
عملية التجريب على الأسطح في البداية تحتاج بحث ثم جرأة تشوبها متعة ثم اندماج في العمل .
العمل الفني التقليدي لم يعد يستهويني إلا في بداية مشواري كدارسة للفنون تعتمد على الرؤية والتدقيق وتجريب المواد المستقبلة للون .
ويحدث أن تعيشي التجربة في عزلة وهدوء وتركيز . حدث هذا معي في المزج بين التشكيل والفوتوغراف.
"روح العمل المبتكر هي مفتاح نجاح تجربتي " ، لم أتكل ابداً على الوسائط التكنولوجية مثل الفوتوشوب ، وإنما صغت على السطح كل أدواتي التي أملكها .. فوتوغراف ومواد مختلفة ، ألوان اكريليك وزيت وقواش وحتى الصمغ ، واشتغلت بالفرش وبأصابعي وبكل ما وقع عليه بصري واستساغته ذائقتي الفنية .. وهدفي تحديد بناء بصري متناسق ومتوازن مع تأثير الإيقاع البصري واللوني أو اضافة عناصر أو حذف أخرى على سطح اللوحة .
. هل يشغلك الدمج بين الحدس اللحظي ومكونه الإيحائي ، وعناصر القبول الفني أو استجابة المخيلة ؟
الزمن والفضاء داخل العمل نفسه هو مشهد جمالي . عملية تدارك الصورة البصرية والسرعة ورصد الحركة ، وتفاصيل موضوع او عمل ما يتم في زمن ومكان مناسبين هو توثيق واستدراك لحظي أو عملية " قبض قبل التلاشي " نتيجة لشعور داخلي زمنه لحظات فيها "رصد" ، وبالتالي ينتج تأمل واعي من قوة حدس فجائية ومدركة ، وحالة وجدانية عالية تنساب معها عملية ابداع فجائي تعتمد بالضرورة على حالة الفنان الإبداعية ، وبالتالي تستجيب المخيلة .
" اجمع الوسائط على السطح كمقياس للقطة الساكنة وخيالاتها المتحركة Mixed Media في أعمالي الـ "
وانتج صور وأفكار جديدة يمكن توظيفها في أعمالي الفنية ( بمعنى هي من الأساس خليط من الوسائط وعنصر الرسم موجود فيها بقوة ) ، لأصل الى " طاقة تعبيرية وإيقاع بصري مؤثر " .
وفي النهاية قدم لي هذا المزج والجمع الحصيلة التي أريد ( مشاهد سينوغرافية من صنعي ) .
بإختصار " الرسم خداع بصري ، والكاميرا تعطيني شكل حر مفتوح على عدة تفسيرات وقراءات ، واللوحة عندي حمالة أوجه ، وعندما أوظف خيالي مع أدواتي أخرج بلوحة تشبه الحلم " .
