حاورته/ حنان علي كابو
عقد رباطا مقدسا مع الكتابة، منحته التوغل في أعماق الروح الإنسانية، سلك في دروب الشعر والترجمة واللغات والتمثيل، باحثا بجدوى، بتمرس، عن ذاته الهائمة المحلقة دوما، فأغدقت عليه الكتابة بسخاء، ووهبته توازنا جعله يرى كل شيئا جميلا يرى إن الترجمة الحقيقية ليست أن تختار الكاتبَ ولكن النصَّ، ويؤكد إن الشعرُ في ليبيا رهينَ النثرِ، أما المسرحُ فهو حبّهٌ القديمٌ ويميل كثيرا إلى المسرح الأدبي، حاليا في صد إصدار مجموعة من الكتب المتنوعة ما بين شعر وترجمة.
نقرأ في سيرته ...
الدكتور محمد قصيبات، شاعر ومترجم ليبي وممثل هاو مولود ببنغازي، درس الأدب الإنجليزي بجامعة كامبردج على شكل دورات قبل أن ينتقل إلى فرنسا عام 1972 لدراسة الطب والتخصص في أمراض القلب، صدر له ديوان "رحلة الأعمى" عام 2008 عن دار وليدوف بتونس وترجم الديوان إلى الإنجليزية والفرنسية وكذلك كتاب "كيف يكتبون الرواية"، وسلسلة شعراء القرن العشرين، نشر كتابته وترجماته على مدى خمسين عاما في عدة مجلات وصحف عربية مثل "العربي" و"الثقافة العالمية" و"الثقافة العربية" و"أخبار الأدب" و"القدس العربي" .... له أكثر من ثلاثين مخطوطا لم تنشر بعد.
قريبا سيصدر له:
"الجنون والأدب"
"عصفور يغنّي في العطش وحيداً" عن الشاعر الأندلسي أنطونيو ماشادو
"ليبيا 1911»
"المعجزة الليبية" حيث يعد حاليا نسختهما الفرنسية.
"كبر السؤال لكنهم لم يطفئوا المصباح في قلب الإجابة " ماذا يقلقك؟"
في الواقع هذا المقطع هو من قصيدةٍ بعنوان "هلسنكي 1971»، وهو العام الذي التقيت فيه بالصادق النيهوم في العاصمةِ الفنلندية، والقصيدةُ مهداةٌ له والقلقُ الوجوديّ الذي تتحدثين عنه هو في قلبِ كل شاعرٍ وكاتب؛ هو ليس قلقًا، إلا إذا اعتبرنا كلَّ تساؤلٍ فلسفي قلقًا، كان النيهوم فيلسوفًا وصوفيًّا في الوقت نفسه، أليس هو الذي قال "كلما فتح اللهُ باباً للإنسان أقامت الفلسفةُ أمامه زنزانة"، وهذه الجملة قد تلخص لنا فكرَ النيهوم وعلاقتهِ بعمر الخيام الصوفي الذي تم تزوير رباعياته من طرفِ المستشرقين الذي حوّلوا شعره الصوفي إلى نوعٍ من شعرِ المجون.
وأذكر بالتحديد النقاد الفرنسيين في القرن التاسع عشر ... القرن الذي سيطر فيه شعرُ بودلير على الساحةِ الأدبية الفرنسية؛ فالسُكْر الذي يعنيه الخيام ليس بالنبيذ ولكن سكرٌ صوفيٌّ ولقد تمت الترجمة الأولى للرباعيات على يد الإنجليزي فيتجيرالد في منتصفِ القرن التاسع عشر وفيها نجد النزعةَ الصوفية للخيام ولقد انتبه النيهوم لذلك وكتبَ دراسته المشهورة عن ديوان "الذي يأتي ولا يأتي" والتي جمعها الكبتي مشكورا فيما بعد وتم نشرها في كتاب، بالطبع اختلفت صوفيةُ النيهوم عن صوفيةِ الشلطامي الذي كان أقرب إلى ابن عربي والسهرودي المقتول، ويمكن لنا أن نعتبر الخيام أول الكتاب الوجوديين (قبل البير كامو وكولن ويلسون) لكن لا مجال هنا للتوسع في هذا الأمر، ما أردت أن أقول هو أن النيهوم يحتاج منا قراءةً مختلفة وهذا ما أردتُ الوصول إليه في تلك القصيدةِ والتي منها هذا المقطع الذي تسألين عنه.
خمسون عاما رفقة الشعر، لماذا الشعر تحديدا؟
لقد بدأت بالشعر ويبدو أني كنت محقا فالشعر كما أكد لي الطب لاحقا هو اللغة البدائية التي ولدت من حركات الانسان حيث تؤكد الدراسات أن مركز كتابة الشعر في الدماغ يوجد بالقرب من الجزء المسؤول عن الحركة ولقد بدأت اللغة شعرا قبل أن تختلف الألسن وكذلك الأدب ,الذي بدأ إيقاعا قبل أن ينتقل إلى الأجناس الأخرى لقد بدأت الكتابة عام 1968 في مجلة المرأة وصحيفة الحقيقة حيث كانت هناك صفحة للمواهب فأرسلت ترجمة نالت إعجاب الشاعر على الفزاني الذي انتبه لتلك الترجمة ففتحت لي الحقيقة صفحتها الأخيرة فيما بعد من أجل نشر قصائدي وترجماتي التي تناولت شعراء كبارا مثل الإنجليزي إليوت واليوناني كافادياس وساعدني النشر على صفحات الحقيقة في النشر بالمجلات مثل جيل ورسالة التي كان يرأسها سعد نافو رحمه الله وكذلك مجلة الحسناء اللبنانية التي كانت تنشر الشعر في صفحتها الأخيرة ومجلة الجديد المصرية التي تراسها المرحوم رشاد رشدي، لقد جمعت قصائدي لاحقا في ديوان لم ينشر حيث ذهبت للدراسة بكامبردج ثم لاحقا الطب بفرنسا.
أما النثر فلم أدخل أبوابه إلا بعد عشرين عاما في التسعينيات حين اطلع خليفة الفاخري على ترجماتي لماركيز وبوزاتي وشجعني على الاستمرار في ترجمة النثر لقد كنت محظوظا منذ البداية بالأجواء التي كانت بصحيفة الحقيقة في بداية السبعينيات والثقافة العربية لاحقا حيث كانت تلك الأجواء الأدبية محفزة على الكتابة وبها شعراء يشجعونك على الاستمرار في الشعر الذي يرافقني منذ أكثر من نصف قرن.
قلت في معرض حديثك سابقا شيئا فشيئا سنعود للشعر العمودي، على ماذا بنيت فرضيتك؟
نعم سبق أن قلتُ في مقابلةٍ مع صحيفةِ الدستور الأردنية قبل عشر سنوات أنّ كتابةَ شعر التفعيلةِ في عصر دكتاتوريةِ النثر أمرٌ صعبٌ ذلك لأن قصيدةَ النثر لم تبدأ عند العربِ بدايةٍ جيدة؛ ففي فرنسا البلد الذي بدأت فيه قصيدةُ النثر مسيرتَها عن طريق الشاعر "اليوس بيرتران" عرفت أن تضع حدودا واضحة بين قصيدةِ النثر والشعر فبقي النثرُ نثرًا والشعرُ شعرا لكن عندنا هناك دواوين تصدر بقصائد نثرية يسمونها ديوان شعر أي كسروا الحدود بين الشعر والنثر باسم الثورة.
بالمناسبة حتى الدماغ لا يعترفُ بقصيدةِ النثر كما تقول الدراسات العلمية التي أجريت بجامعة تيكستر البريطانية فلقد قام فريقٌ من الباحثين بدراسة تأثيرِ الشعر على الدماغ فوجدوا أن الشعرَ يحرك مناطق محددة في الدماغ لها علاقة بالذاكرة، أما قصيدة النثر فهي لا تصل إلى تلك المنطقةِ في الدماغ؛ ولقد استعمل الأطباء الرنين المغنطيسي في تحديد تلك المنطقة التي لا تعترف إلا بالشعر الموزون الذي يذهب إليها مباشرة كما الموسيقى.
هذا ما وصلت إليه الأبحاثُ في جامعة تيكستر البريطانية وأكده باحثو جامعةِ ماكجيل الكندية، ونحن إذا قرأنا قصيدةً نثرية فالدماغ سيلقي بها في سلةِ النثر الموجودة بالنصف الأيسر من الدماغ مهما حاولنا خداعه بتوزيع الكلمات على الورقة.
كلّ المؤشرات الآن ترينا أنّ الشعر الموزون يسترجع مكانه فهناك عدد كبير من الشباب الليبيين يتجهون لكتابته وهناك أسماء جديدة بدأت تطل علينا بالشعر الراقي ما نرى في مسابقات «أمير الشعراء» صورة مصغرة من ذلك التغير.
ما الذي يجذبك في القصيدة أو النص لترجمته؟
عندما بدأتُ في الترجمة كان لدي طموحٌ وهو إعدادِ موسوعة للشعر العالمي فبدأتُ بشعراءٍ مثل الإنجليزي إليوت والإسباني اليكسندر صاحب نوبل أيضا (أي كان الاختيار حسب التسلسل الأبجدي) وبعد أن أتممت عشرات من الترجمات رأيت أن الأمر ليس بمثل هذه السهولة خاصة عندما وصلت إلى الشاعرة الروسية آنا أنخنماتوفا والتي قرأتُ شعرها لكني لم اتمكن إلا من ترجمةِ ثلاثة أبيات لكنها أبياتٌ تقول الكثيرَ؛ عندها فهمت أني لم اتخذ الطريق الأفضل للترجمة فغيرت طريقتي في الاختيار.
أعجبني شاعرٌ سويديٌ هو "هاري مارتنسون" فنشرتُ له في مجلة قورينا التي كانت تصدرها كلية الآداب ببنغازي وحسنا فعلت لأنّ الشاعرَ حصل على نوبل بعدها بسنتين. عرفت حينها أن الترجمة الحقيقية ليست للشعراء المشهورين بل للشعر المميز؛ فقد يكون الشاعرُ كبيرًا لكن شعره لا يدخل اعماقك فتصبح الترجمةُ ليست بالأمر الهين ومن شروط الترجمة الجيدة أن تشعر كأنك أنتَ من كتب النص. وتأكدتُ بعدها أنّ الترجمة الحقيقية ليست أن تختار الكاتبَ ولكن النصَّ الذي هو أهم من صاحبه … التفاعل مع النص هو الذي يدفعنا إلى ترجمة ذلك النص أو هذا.
تكتب الشعر بالعربية والفرنسية والإنجليزية، من يمنح النص خصوصيته ولغته؟
بالطبع لكلِّ لغةٍ خصوصياتُها ويختلف القارئ من ثقافةٍ إلى أخرى؛ ولهذا لم اتمكن من ترجمة شعري إلى اللغات الأخرى بل تركت هذا الأمر لمترجمين آخرين، كنت أعرف أنيّ إذا ترجمتُ شعري بنفسي لظهرت القصائد بشكلٍ مختلف لهذا فضلت أن أكتب مباشرة بالإنجليزية والفرنسية ولقد نشرتُ ما كتبت بالفرنسية في فرنسا وأذيعت إحدى قصائدي بعنوان
Une fleur sous la pluie
في محطةٍ إذاعية فرنسية مع قصائد أخرى ضد الحرب من بينها قصيدة للإنجليزي "هارولد بنتر" الحاصل على نوبل عام 2005 كانت قصيدتي تتعلق بالهجوم الصهيوني على لبنان عام 2006 وقريبا سيصدر لي ديوان يحمل عنوان القصيدة تلك لكنه يحتوي قصائد بمختلف اللغات التي كتبت بها.
تنقلك بين لندن وباريس هل له تأثير على مشروعك الإبداعي وعلى الصعيد
الشخصي؟
في الواقع كانت لندن وباريس محطاتٍ مهمةً في حياتي تعلمتُ فيها الكثير وعرفتُ الاختلاف بين العقليةِ الفرنسية والإنجليزية. لكنّ التنقلَ الحقيقي كان في زمنٍ عشتُ فيه بين قاراتٍ ثلاث حين تنقلت بين ليبيا وكندا وفرنسا في التسعينيات من القرنِ الماضي؛ بالطبع يمنحك ذلك تجربة غنية تساعدك في معرفةِ عمق الروح الإنسانية. آلامها وافراحها. لقد عدتُ في منتصف التسعينيات للعمل في أرض الوطن في محاولة لحط الرحال والاستقرار مثل كلّ الناس لكن ذلك باء بالفشل وخاصة في مجال عملي كاستشاري في أمراض القلب فعدتُ أدراجي وإلى بوابات غربتي لكن لا داعي للخوض في أسباب ذلك. شعرت أنّ لا مكان لي في وطني، فعرفتُ أنّ على أن أغادر وأنّ أرض الله واسعة.
هل تؤمن ان ترجمة الشعر إعادة خلق ثان له خاصة إذا كان المترجم شاعرا في الأصل؟
هناك طريقتان في الترجمةِ؛ الأولى مخلصة للغةِ النص الأصل وأخرى للّغة المنقولِ إليها وأنا أميلُ للنوع الثاني من الترجمة، ومن الكبار الذين أخلصوا للّغة المنقول إليها نذكر "امبرتو إيكو" و "بورخيس"؛ فالثاني يرى ذلك في ترجمةِ الشعر وإيكو في ترجمةِ الرواية. وعندما ترجم بورخيس شعره إلى اللغةِ الإنجليزية (بورخيس شاعرٌ أيضا) استعان بمجموعةٍ تجيد اللغةِ الإسبانية تنقل النصَّ من الإسبانية إلى الإنجليزية وفريق آخر يجهل الإسبانية يكتب النصَّ باللغة الإنجليزية) نعم ترجمة الشعر هي إعادة كتابة القصيدة بلغة المترجم الذي يضع نفسه مكان الشاعر ويكون في حالة توحد مع القصيدة لهذا أرى أن مترجم الشعر لا بد أن يكون شاعرا لأنه سيتعامل مع مادة خام عليه أن يعيد تحويلها إلى قصيدة في لغته هو سواء على شكل قصيدةً موزونة كما فعل الأولون أو قصيدة نثر كما نفعل الآن.
تم تكريمك من قبل الجمعية الدولية للمترجمين العرب، ماذا تقول عنه؟
في الواقع قرأتُ هذا الخبر منذ حوالي 15 عاما ولم يغير هذا شيئا في مسيرتي الأدبية لكنّي سعدتُ وأشكر تلك الجمعية الموقرة على اهتمامها بما نشرت في تلك السنوات التي كان النشرُ فيها على المواقع منتشرًا وصار النشرً على النت يسهل التواصل بين الأدباء العرب.
في الواقع أتّبع ما كتبَ ريلكة يومًا والذي يقول اكتب ولتكن غايتك الكتابة وانس كلّ ما يمكن أن يعرقل مسيرتك فلا تنتظر جوائز أو شيئا من النقاد أكتب وحسب.
مكتظ بالكتابة والشعر والمسرح، أي رسالة تود ان تقولها؟
هميّ هو القراءة والبحثُ؛ لقد أعطاني ذلك وسيلة لإعادة قراءةِ التاريخ فالتعامل مع اللغاتِ يخلق توازنا عند الإنسان فيبدو كل شيء جميلا، بالطبع وزعتُ ساعات يومي بشكلٍ متوازن بين القراءةِ والكتابةِ وعملي كاستشاري في أمراض القلب، فالطبُّ الذي هو أقرب التخصصات العلمية إلى الأدب صراعٌ متواصلٌ مع الموتِ الذي لا ينتصر إلا عندما تنسحب الحياة كما يقول الشاعر الإسباني "خيمينيث" ثم يأتي الأدبُ ليقول لنا أنّ الإنسانَ ينتصر في نهايةِ المطاف، والجمع بين الطبِّ والأدب يسهّل على المرء الاستمرار في الاثنين إذ هما يتكاملان.
أما المسرحُ فهو حبٌّ قديمٌ وربما هو الذي جعل مني كاتبًا لكني أميل إلى المسرح الأدبي والذي يعتمد عادة على ممثلٍ واحد ؛ هذا النوع من المسرح منتشرٌ في الغرب لكن لا أظن أنه بدأ عندنا في ليبيا ؛ لنتخيل ممثلا قديرا مثل فتحي بدر يلقي حكايات الفاخري لا شك أن ذلك سيكون تجربة فريدة ورائعة ولقد عرفتُ ذلك حين عدتُ للمسرح في دور الشاعر الفرنسي بودلير ثم لافونتين صاحب الحكايات وأنا في طور إعداد نصوص لحكايات الفاخري على خشبةِ المسرح ولكن سأنشرها قريبا على شكل كتاب بالفرنسية لأنّ المسرح يحتاج لوقتٍ طويلٍ من الإعداد.
قلت ...الرواية الليبية بخير، قلقي على الشعر، لماذا؟
نعم الرواية الليبية بخير ولدينا روائيون لا يقلّون شأنا عن الروائيين العرب؛ الأسماء كثيرة لا مجال لذكرها هنا، لقد كتبتُ مقالة تنبأت فيها بفوز الروائي هشام مطر بنوبل ذات يوم وكان قد فاز بجائزةٍ مهمة وهي البولترز العالمية والتي تكون أحيانا مفتاحا لنوبل؛ فهشام يكتب بقلب المهندس الذي يهتم بالتفاصيل ويعتمد كثيرا على الفنّ واللوحات التاريخية أي هو أكثر انفتاحًا على الثقافة العالمية من إبراهيم الكوني
. الذي أغلق على نفسه قفص التراث وثقافة الطوارق زمنا طويلا فصار أقرب إلى الأنثروبولوجي الثقافي منه إلى الروائي (هذا مجرد رأي)، على أي حال نحن في سنة وترية (2023) ونوبل ستكون للذكور هذا العام.
روايات الكوني مفيدة للغاية للفرنسيين في مجال الأنثروبولوجيا وإنْ اعتمد إبراهيم على الخرافة وهذا يتناقض مع الأنثروبولوجيا التي عرفها الفرنسيون سابقا وهي أنثروبولوجيا تعتمد على العقلانية لكن صار الأنثروبولوجي يبتعد شيئا فشيئا عما كان عليه في زمن الفيلسوف كانت وبروكا وصار يقترب من العلوم الإنسانية ؛ إبراهيم لم يكن راضيا على ترجمات رواياته إلى الفرنسية لا أعرف السبب بالتحديد... ولقد سبق أن مُنحت نوبل للكاتب الفرنسي لوكلوزيو والذي كتب أيضا فيما يعرف بالأنثروبولوجيا الأدبية وتخضع رواياته للمقارنة بكتابات الكوني في ذلك المجال. للأسف ظلّ الشعرُ في ليبيا رهينَ النثرِ وكما قلتُ لك لا بد أن يبقى الشعرُ شعرًا والنثرُ نثرًا هذا لا يعني أن ليس عندنا شعراء مبدعون وشاعرات مبدعات يحترمون قواعد الشعر
هل يمكننا القول إن الشعر فرصة للشاعر لينصت لطفولته وعزلته، انتصاراته، خساراته، تطلعاته، هل وجدت كل هذه الأشياء؟
بالتأكيد ... وليس في الشعر فقط؛ كل أشكال الأدب هي مناجاة للطفولة، ها هو بروست الذي تحتفل فرنسا هذا العام بالذكرى المئوية لوفاته؛ لقد كتبَ أجمل، الروايات الفرنسية بسبب قطعةِ المادلين التي يأكلها مع الشاي في طفولته.
تضع لوما كبيرا على دور نشر التي تبحث عن أسماء وليس لديها لجنة تقصي السرقات، برأيك كيف يمكن الحد من السرقات الأدبية؟
السرقاتُ الأدبية داءٌ جديدٌ قديم ؛ في الماضي كان الأقدمون يتحدثون عن التقليد وكان أمرا محمودا ، فأكبر الكتابِ بدأوا بالتقليد مثل بروست (أعود إليه مرة أخرى) لكن مشكلتنا منذ ظهور النت صارت الكتابة بطريقة النسخ والصق داء يقلق الجامعات التي توصلت إلى برامج الكشف عن السرقات ؛ في فرنسا يتدخل القانون في محاسبة اللصوص بغرامات قد تصل إلى نصف مليون يورو (طبعا عند السرقات المهمة) لكن في الواقع فضح اللصوص سهل للغاية لأن لصوص الكلمة لا يعرفون أنه لكل كاتبٍ أسلوبه المميز فحين ترين كاتبًا يكتب بأسلوب أقرب إلى اللغة العامية وفي مقاله مقاطع قريبة من الأسلوب الأكاديمي بالطبع هذا لا يفوت القارئ الذكي. السرقاتُ هي نوع من الفساد وأعرف لصوصا في برلمان عربي وبين السياسيين والكتاب ولكني أترك للمتخصصين وأهل القانون تولي هذا الموضوع فلا وقت لي لفضح هؤلاء. نحن في حاجة لأدب نقيٍّ خالٍ من المتطفلين.
عندما تنظر إلى مخطوطاتك ماذا تقول لها بينك وبين نفسك؟
مخطوطاتي ونصوصي عموما كبرت معي وأعدت كتابتها مرات وكانت لدي فكرة غريبة أنّ الكتابَ هو مقبرة النص؛ أعرف كتابًا صدرت لهم كتبٌ لكنهم فقدوا حقوقهم لأن النصّ صار ملكا لدار النشر. خلال نصف قرن من الكتابة لم يهمني إصدار الكتبِ المهم أن أكتب، لهذا بقت نصوصي على شكل مخطوطات ولم يكن لدي الوقت أن اهتم بالنشر فسافرت تلك النصوص معي أينما كنت وهناك نصوص اعتز بها مثل قصائد إليوت التي سوف أصدرها قريبا وكذلك مخطوط "من قصص البحر" الذي كان الأستاذ خليفة الفاخري رحمه قد دققه لغويا في التسعينيات عندما كان مدققا في مجلة الثقافة العربية لكن الكتاب لم ير النور بعد، لم أعد أعرف كم لدي من مخطوطات حيث تتقاطع النصوص بين مخطوط وآخر، ألدي ثلاثون مخطوطا؟ ربما أربعون لا أدري بالتحديد؛ على أي حال ستنشر هذه المخطوطات قريبا منها "الجنون والأدب" وكذلك "عصفور يغنّي في العطش وحيداً" عن الشاعر الأندلسي أنطونيو ماشادو.
الملاحظ في المشهد الثقافي ظهور العديد من دور النشر ألم تتلقى دعوة من أحدها لنشر مخطوطاتك؟
لا ليس بعد أنشر في عدةِ بلدان عربية لكن لدي نصوصٌ تهم القارئ في ليبيا بالدرجة الأولى ومن ذلك كتاب "ليبيا 1911» وكذلك "المعجزة الليبية" حيث أعد حاليا نسختهما الفرنسية وقد يهم هذان المخطوطان دار نشر فرنسية.