تطرق مسامعنا أحياناً بعض الجُمَل التي تمُرُّ علينا - أو على بعضنا - مرور الكِرام، رغم ما تحمله من مضمونٍ(سامٍّ) وغير صحيحٍ على الإطلاق، بل ويصل بعضُها إلى حدّ التعارض مع مُعتقدنا الديني وبشكلٍ واضحٍ ومُستفزّ، وإليكم بعض الأمثلة.
(لا يرحم لا يخلِّي رحمة ربي تنزل)..وبقليلٍ من إعمال العقل سنجد أن مضمون ذلك القول يجعل من(المخلوق) يملك من(القُدرة) ما يمكنه من(منع رحمة الخالق)، وهو قولٌ فيه من الكُفر بقُدرات الله عزّ وجلّ ما لا يُمكن إنكاره، إذ إنّه سُبحانه وتعالى يقول في مُحكم كتابه العزيز(مَا يَفتَحِ اللهُ لِلناسِ مِن رَّحمةٍ فَلَا مُمسِكَ لَهَا وَمَا يُمسِكْ فَلَا مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)..سورة(فاطر) الآية(2).
نسمع أيضاً(كُلُّ ذي عاهةٍ جبَّار)..(أقربكم إلى الأرض أكثركم فساداً فيها)، والكارثة أن تجد البعض ينسب كلا القولين السابقين للرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فإن سألته عن المصدر الذي استقى منه تلك(الأقوال) أجابك في استنكار وتعجُّب كما لو أنّه يُقرِّر حقيقةً لا جدوى من الجدال فيها(كيف من اللي قالها؟..عدّي واسأل أي واحد..هذي معروفة)، غير مُدركٍ أنّه بإجابته تلك لم يقدّم أي(إجابة).
الكثير من الأمثلة لا يسعفني المجال لتعديدها، لكنها ولحُسن الحظ ليست بذات التأثير الذي يُمكنه أن يتحوَّل إلى(ثقافة مُجتمع)، كما أنّها أقوالٌ قد نقبل فيها العُذر من حيث تدنّي الثقافة أوَّلاً..وثانياً كونها صدرت عن أفراد لا يمثّلون إلَّا أنفسهم، إلَّا أنَّ ذلك لا يعني أن نغفل عن مُحاولة تصحيح تلك المفاهيم المغلوطة..على الأقل.
لكن من المُخجِل والمُثير للدهشة في آنٍ واحد..أنك وبمجرّد دخولك إحدى مراكز تأهيل ورعاية المعاقين، ترى الآية الكريمة(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى)..سورة النازعات آية(26).
يا سادة، والحديث موجَّهٌ هُنا بالدرجة الأولى للإدارة المسئولة عن المركز المعني والأخصَّائيين الاجتماعيين والنفسيين، تلك الآية وردت في حقّ(فِرعَون)..وقد أَشَارَت الآيات الكريمة بكلّ وضوح(إنَّهُ طَغَى)، وأنّه بعد أن رأى الآية الكُبرى(كَذَّب وعَصى)، ونقرأ بعد ذلك(ثُمَّ أَدبَرَ يَسعَى..فَحَشَرَ فَنَادَى..فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى..فَأَخَذّهُ اللهُ نَكَالَ الأَخِرَةِ وَالْأُولَى..إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى)، أي أنَّ(فِرعَون) قد خسر الدنيا والأخرة نتيجة(عناده وكُفره)، فما الذي يُبرِّر بعد ذلك وضع تلك الآية دون غيرها في مركزٍ معنيٍّ بتقديم الخدمة لأبنائنا من المعوَّقين؟..وهل بالفعل تلك(الفكرة) هي ما يعكس حقيقة(رؤية) الإدارة المعنيَّة بخدمة تلك الفئة من المجتمع؟..وكيف يُمكن لمركزٍ مُتخصِّصٍ يعقد مُنذ فترةٍ قريبة ندوةً عن(التنمُّر) الذي يتعرَّض له المعاق في مُجتمعنا، أن يقدِّم(هو نفسه) أسوأ مِثالٍ عن تلك الظاهرة المنبوذة؟.
المؤسف أنّ الموضوع يتكرَّر في عدَّة مؤسَّسات اجتماعيَّة، وبشكلٍ يؤكِّد أنّ تلك الآيات إنَّما وُضِعَت لتنقل(فكرة مُعيَّنة)..وأنَّ الأمر لم يكُن من قبيل الصُدفة، بل هو للأسف..من باب الجهل، حيث نجد على مدخل إحدى مؤسَّسات إصلاح الأحداث الآية الكريمة(وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى)..(الضُّحى) آية(7).
ونعود فنوجِّه حديثنا لنفس المعنيين..مؤكِّدين لحضرتهم بأنَّ تلك الآيات الكريمة من سورة(الضُّحى) نزلت بعد فترة من انقطاع الوحي عن الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، ولذلك قوله سُبحانه وتعالى(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)، لكن ما لا نفهمه هو الغرض من(اختيار) تلك الآية دون غيرها أيضاً، فشتَّان بين أسباب نزول تلك الآيات..والمعنى الذي كان لأجله استخدامها بهذا الشكل الفجّ والمرفوض.
إن الخطأ في تفسير أي فكرة يؤدِّي دون شكّ إلى نتيجة مُشوَّهة وبعيدة تماماً عن المضمون الحقيقي، فكيف يكون الأمر عندما نُطلق الحبل على الغارب مُفسحين المَجال للعبث بتفسير الآيات الكريمة؟..أليس ذلك هو الباب الذي مكَّن(التطرُّف) من التسلُّل إلى عقول شبابنا؟.