اختتم منتدى الأصالة والتجديد في بحوث الإعلام العربية أعمال الملتقى الدولي الافتراضي الأول الموسوم بـ«نظرية الحتمية التأويلية في الاتصال بين الأفق الإبستمولوجي والواقع الإمبريقي»، والذي انعقد يومي 15 و16 ديسمبر 2025 عبر تطبيق «زووم»، بمشاركة واسعة لأساتذة وباحثي الإعلام من مختلف الدول العربية، وبجملة من التوصيات العلمية والمنهجية التي تستهدف تطوير البحث الإعلامي وتعزيز المقاربات التأويلية في دراسة الخطاب والاتصال.
وشهدت الجلسة الختامية للملتقى تكريم الباحث والمنظّر الإعلامي الجزائري الدكتور محمد النذير عبد الله ثاني، بمنحه درع منتدى الأصالة والتجديد، تقديراً لإسهامه النظري المتميز وتأسيسه لنظرية الحتمية التأويلية في الاتصال، بوصفها إضافة معرفية عربية رصينة أسهمت في سدّ فراغ نظري طالما عانت منه دراسات الإعلام والاتصال، خصوصاً فيما يتعلق بدور المتلقي والتأويل في إنتاج المعنى.
الملتقى، الذي نظم تحت رعاية رئيس المنتدى ورئيس الملتقى الدولي الافتراضي الأول البروفيسور محمد سعد إبراهيم، ناقش خلال سبع جلسات علمية 31 مداخلة بحثية، بمشاركة 45 باحثاً يمثلون 32 جامعة عربية من 11 دولة، وتركّزت محاور النقاش حول الأبعاد الإبستمولوجية لنظرية الحتمية التأويلية، وتطبيقاتها الإمبريقية في الإعلام التقليدي والرقمي، إضافة إلى علاقتها بالتحولات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي.
وأكد المشاركون في توصية شرفية أُعلنت في ختام الملتقى، أن تكريم الدكتور محمد النذير عبد الله ثاني يأتي «استحقاقاً علمياً» نظير إسهامه النوعي في تأسيس نظرية عربية أصيلة تعيد الاعتبار للفهم والتأويل بوصفهما عنصرين حاسمين في العملية الاتصالية، وتفتح آفاقاً جديدة أمام الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وعلى المستوى البحثي والمنهجي، أوصى الملتقى بضرورة تعزيز التأسيس الإبستمولوجي لنظرية الحتمية التأويلية، والدعوة إلى بلورة مشروع معرفي عربي جماعي لتأصيلها وتطويرها وفق رؤية اتصالية معاصرة.
كما شددت التوصيات على توسيع نطاق تطبيق النظرية ليشمل الخطابات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والسيميولوجيا، وأدوات تحليل المحتوى الدلالي، إلى جانب تنظيم مؤتمر سنوي أو دوري لمتابعة تطور الدراسات المرتبطة بها.
وفي السياق ذاته، دعا المشاركون إلى تطوير أدوات قياس إمبريقية قادرة على تحويل مفاهيم التأويل – مثل الأفق، والمسافة الجمالية، والبناء المعنوي، وبنية المعنى – إلى مؤشرات كمية قابلة للقياس، مع تشجيع بناء مقاييس عربية لرصد أنماط التلقي ومستويات الوعي التأويلي وديناميكيات التأويل الخوارزمي في بيئات التواصل الرقمي.
كما حظي إدماج الذكاء الاصطناعي في الدراسات التأويلية باهتمام خاص، حيث أوصى الملتقى بتشجيع البحوث التي تدرس العلاقة بين التوجيه الخوارزمي وتعددية المعنى، وبناء أنظمة تحليل دلالي مدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعد الباحثين على فهم مسارات الإنتاج والتلقي والخطاب الإعلامي بعمق أكبر.
وعلى الصعيد التعليمي والتدريبي، شددت التوصيات على أهمية إدراج نظرية الحتمية التأويلية ضمن مناهج البكالوريوس والدراسات العليا في الإعلام والتحليل الثقافي، ودمج المقاربات التأويلية مع تحليل الخطاب والسيميولوجيا وتحليل البيانات والمناهج الرقمية الحديثة، ودعت إلى تنظيم دورات تدريبية متخصصة في تحليل الخطاب التأويلي، وتحليل البيانات الضخمة، وأدوات التحليل السيميائي الرقمي، والاستقراء الخوارزمي.
أما فيما يتعلق بالفضاء الرقمي، فقد أوصى الملتقى بإطلاق مبادرة عربية لدراسة التحولات الدلالية للخطاب في الفضاء السيبراني وتأثيرها على الهوية والتمثلات الرمزية، مع اعتماد نظرية الحتمية التأويلية لرصد آليات التزييف المعنوي والتضليل العاطفي وهندسة المعنى، ودعا إلى تأطير العلاقة بين الجمهور والمنصات الرقمية في ضوء مفاهيم التأويل الخوارزمي وصراع المعاني وبناء التمثلات، وتعزيز الوعي التأويلي لدى الإعلاميين وصنّاع المحتوى.
وفي الجانب المؤسسي، أكدت التوصيات ضرورة دعم التعاون بين الجامعات العربية من خلال إنشاء شبكة بحثية متخصصة في التأويل الإعلامي والأنساق المعرفية الرقمية، وتشجيع المشاريع البحثية المشتركة، إلى جانب تعزيز الإنتاج العلمي عبر إطلاق سلسلة بحثية دورية بعنوان «دراسات في الحتمية التأويلية والإعلام الرقمي»، وحثّ المجلات العلمية على تخصيص أعداد خاصة للنظرية وتطبيقاتها.
واختتم الملتقى أعماله بالدعوة إلى تأسيس «مرصد التأويل الإعلامي العربي» بوصفه إطاراً بحثياً متخصصاً في تحليل الخطابات الرقمية ورصد التحولات المعنوية وأنماط التلقي، مع التأكيد على اعتماد نظرية الحتمية التأويلية في الاتصال كإطار نظري عربي معاصر يتكامل مع المناهج النقدية ونظريات الإعلام الرقمي ونماذج التأطير والذكاء الاصطناعي والعلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة.
