تقرير/عبدالوهاب عكش
عندما يحل رمضان، تتحول بعض أحياء بنغازي إلى لوحات نابضة بالحياة، حيث تمتزج روائح خبزة التنور الطازجة مع حكايات الأجداد، في أحد الأركان وتحديدًا في حي السلام، ينهمك بلقاسم العبيدي، شاب من درنة، في إعداد خبز التنور بمهارة لا تخطئها العين، التنور يشتعل بحرارته، والدقيق يتشكل بين يديه ليصبح خبزًا يروي قصة أجيال.
يسترجع العبيدي بدايات مشروعه "تنور درنة" قائلاً: كبرت في بيئة بدوية حيث كان خبز التنور جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تعلمته في سن الخامسة، وأردت أن أنقل هذا التراث إلى بنغازي، حيث يحن الكثيرون إلى طعمه الأصيل، ولم يكن يتوقع أن يصبح تنوره وجهة يومية لمئات المواطنين الذين يأتون من مختلف الأحياء بحثًا عن خبزة تذكرهم بطفولتهم.
وسط اللهب المتوهج، تتحرك يدا العبيدي بخبرة، يرش حبة البركة والكمون على العجين، بينما يُغذى التنور بحطب الشعرة والبطوم، في مشهد يحمل عبق الماضي، الزبائن يصطفون بصبر، بعضهم يتبادل أحاديث رمضان، وآخرون يستمتعون بمشاهدة عملية الخبز، وكأنها طقس شعائري متوارث.
يعلق أحد الزبائن قائلاً: "رمضان لا يكتمل دون خبزة التنور، إنها ليست مجرد خبز، بل نكهة من الماضي، تحمل معها ذكريات البيوت القديمة وجداتنا اللواتي كنّ يصنعنها بحب.
تاريخيًا كانت خبزة التنور تصنع في المنازل، حيث تتولى النساء إعدادها بأفران طينية تقليدية، لكنها اليوم باتت متاحة بسهولة في شوارع المدينة، بفضل شباب قرروا الحفاظ على هذا الموروث، وبالرغم من تغير نمط الحياة، إلا أن الإقبال على هذه الخبزة لم يتراجع، بل زاد في رمضان، ليصبح بيعها مصدر رزق موسميًا لمن يتقنون صناعتها.
ومع كل رغيف يخرج من التنور، يحمل العبيدي وأصدقاؤه أملاً بأن يبقى هذا الإرث حيًا، ينتقل من جيل إلى جيل، ليحافظ على مكانته في المائدة الليبية، تمامًا كما في قلوب من يعشقونه.